فيها ، فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به اختها فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم ، وهو أمير بدنه الذي لاترد الجوارح ولاتصدر إلا عن رأيه وأمره ، ومنها عيناه اللتان يبصربهما ، واذناه اللتان يسمع بهما ، ويداه اللتان يبطش بهما ، ورجلاه اللتان يمشي بهما ، وفرجه الذي الباه من قبله ، و لسانه الذي ينطق به ، ورأسه الذي فيه وجهه ، فليس من هذه جارحة إلا وقد وكلت من الايمان بغير ماوكلت به اختها بفرض من الله تبارك وتعالى اسمه ، ينطق به الكتاب لها ، ويشهد به عليها.
ففرض على القلب غير ما فرض على السمع ، وفرض على السمع غير مافرض على العينين ، وفرض على العينين غير مافرض على اللسان ، وفرض على اللسان غير مافرض على اليدين وفرض على اليدين غيرما فرض على الرجلين ، وفرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج ، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه.
فأما ما فرض على القلب من الايمان فالاقرار والمعرفة والعقد والرضا و التسليم بأن لا إله إلا الله وحده لاشريك له إلها واحدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، و أن محمدا عبده ورسوله صلوات الله عليه وآله ، والاقرار بما جاء من عندالله من نبي أو كتاب ، فذلك ما فرض الله على القلب من الاقرار والمعرفة وهو عمله وهو قول الله عزوجل « إلا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا » (١) وقال « ألا بذكرالله تطمئن القلوب » (٢) وقال « الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم » (٣) وقال « إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء » (٤) فذلك ما فرض الله عزوجل على القلب من الاقرار والمعرفة وهو عمله وهو رأس الايمان.
____________________
(١) النحل : ١٠٦
(٢) الرعد : ٢٨.
(٣) المائدة : ٤١ ، ونصه يا ايها الرسول لايحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، الاية
(٤) البقرة : ٢٦٤