تعالى هو أعلى الاعمال درجة وأشرفها منزلة ، وأسناها حظا. فقيل له : الايمان قول وعمل أم قول بلاعمل؟ فقال : الايمان تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان وعمل بالاركان ، وهو عمل كله ، ومنه التام ، ومنه الكامل تمامه ، ومنه الناقص البين نقصانه ، ومنه الزائد البين زيادته ، إن الله تعالى مافرض الايمان على جارحة من جوارح الانسان إلا وقد وكلت بغير ما وكلت به الاخرى ، فمنها قلبه الذي يعقل به ، ويفقه ويفهم ، ويحل ويعقد ويريد ، وهو أميرالبدن وإمام الجسد الذي لاتورد الجوارح ولاتصدر إلا عن رأيه وأمره ونهيه ، ومنها لسانه الذي ينطق به ، ومنها اذناه اللتان يسمع بهما ، ومنها عيناه اللتان يبصر بهما ومنها يداه اللتان يبطش بهما ، ومنها رجلاه اللتان يسعى بهما ، ومنها فرجه الذي الباه من قبله ، ومنها رأسه الذي فيه وجهه ، وليس جارحة من جوارحه إلا وهي مخصوصة بفرضه.
وفرض على القلب غير ما فرض على السمع ، وفرض على السمع غير ما فرض على البصر ، وفرض على البصر غيرما فرض على اليدين ، وفرض على اليدين غير مافرض على الرجلين ، وفرض على الرجلين غيرما فرض على الفرج ، وفرض على الفرج غير مافرض على الوجه ، وفرض على الوجه غيرما فرض على اللسان.
فأما مافرض على القلب من الايمان ، فالاقرار والمعرفة والعقد عليه والرضا بما فرضه عليه ، والتسليم لامره ، والذكر والتفكر ، والانقياد إلى كل ماجاء عن الله عزوجل في كتابه مع حصول المعجز ، فيجب عليه اعتقاده وأن يظهر مثل ما أبطن إلا للضرورة كقوله سبحانه « إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان » (١) وقوله تعالى « لايؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم » (٢) وقال سبحانه « الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم » (٣) وقوله تعالى « ألا
____________________
(١) النحل : ١٠٦.
(٢) البقرة : ٢٢٥. (٣) المائدة : ٤١.