فوقف علينا فسلم ورددنا عليهالسلام ، ثم قال : مالي أرى حب الدنيا قد غلب على كثير من الناس حتى كأن الموت في هذه الدنيا على غير هم كتب ، وكأن الحق في هذه الدنيا على غير هم وجب ، وحتى كأن لم يسمعوا ويروا من خبر الاموات قبلهم سبيلهم سبيل قوم سفر (١) عما قليل إليهم راجعون ، بيوتهم أجداثهم ، ويأكلون تراثهم يظنون أنهم مخلدون بعدهم (٢) هيهات هيهات أما يتعظ آخرهم بأولهم لقد جهلوا ونسوا كل وعظ في كتاب الله ، وأمنوا شر كل عاقبة سوء ولم يخافوا نزول فادحة وبوائق حادثة (٣).
طوبى لمن شغله خوف الله عزوجل عن خوف الناس.
طوبى لمن منعه عيبه ، عن عيوب المؤمنين من إخوانه.
طوبى لمن تواضع لله عز ذكره وزهد فيما أحل الله له من غير رغبة عن سيرتي ، ورفض زهرة الدنيا من غير تحول عن سنتي ، واتبع الاخيار من عترتي من بعدي ، وجانب أهل الخيلاء والتفاخر والرغبة في الدنيا ، المبتدعين خلاف سنتي العاملين بغير سيرتي.
____________________
(١) السفر جمع مسافر فيحتمل ارجاع الضمير في قوله : « سبيلهم » إلى الاحياء وفى قوله : « اليهم » إلى الاموات أى هؤلاء الاحياء مسافرون يقطعون منازل اعمارهم من السنين والشهور حتى يلحقوا بهؤلاء الاموات ويحتمل العكس في ارجاع الضميرين فالمراد أن سبيل هؤلاء الاموات عند هؤلاء الاحياء لعدم اتعاظهم بموتهم وعدم مبالاتهم سبيل قوم كانوا ذهبوا إلى سفر وعن قريب يرجعون اليهم ويؤيده ما في النهج وتفسيرا لقمى « وكان الذى نرى من الاموات سفر عما قليل الينا راجعون ».
(٢) الاجداث جمع الجدث وهو القبر أى يرون أن بيوت هؤلاء الاموات اجداثهم ومع ذلك يأكلون تراثهم أو يريدون أن تراث هؤلاء قد زالت عنهم وبقى في ايديهم ومع ذلك لا يتعظون ويظنون أنهم مخلدون بعدهم. والتراث : ما يخلفه الرجل لورثته. والظامر أنه وقع في نسخ الكتاب تصحيف والاصواب ما في النهج « نبؤوهم اجداثهم ونأكل تراثهم » وفى التفسير « ننزلهم اجداثهم ». (٣) الفادحة النازلة.