يغني عنكم هنالك إلا صالح عمل قد متموه ، وحسن ثواب أحرزتموه ، فإنكم إنما تقدمون على ما قدمتم ، وتجازون على ما أسلفتم فلا تخد عنكم زخارف دنيا دنية عن مراتب جنات علية ، فكان قد انكشف القناع وارتفع الارتياب ، ولا في كل امرء مستقره ، وعرف مثواه ومنقلبه (١).
السابع والعشرون : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله في خطبته : لا تكونوا ممن خدعته العاجلة ، وغرته الامنية فاستهوته الخدعة فركن إلى دار السوء سريعة الزوال وشيكة الانتقال (٢) إنه لم يبق من دنيا كم هذه في جنب ما مضى إلا كإ ناخة راكب أوصر حالب (٣) فعلى ما تعرجون وماذا تنظرون؟ فكأنكم والله وما أصبحتم فيه من الدنيا لم يكن ، وما يصيرون إليه من الاخرة لم يزل ، فخذوا اهبة (٤) لا زوال لنقله وأعد والزاد لقرب الرحلة ، واعلموا أن كل امرء على ما قدم قادم ، وعلى ما خلف نادم.
الثامن والعشرون : عن عبدالله بن عباس قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : أيها الناس بسط الامل متقدم حلول الاجل ، والمعاد مضمار العمل ، فمغتبط بما احتقب غانم ، ومتيسر بما فاته نادم (٥) أيها الناس إن الطمع فقر ، واليأس غنى ، والقناعة راحة ، والعزلة عبادة ، والعمل كنز ، والدنيا معدن ، والله ما يساوي ما مضى
____________________
(١) أى محل قراره وما انقلب اليه.
(٢) الوشيك : السريع.
(٣) أناخ فلان بالمكان : أقام به. وصر بالنافة : شد ضرعها بالصرار لئلا يرضع ولدها. والحالب هو الذى يحلب الناقة أو الشاة أى أخرج ما في ضرعها من اللبن.
(٤) الاهبة ـ بضم الهمزة وسكون الهاء والباء الموحدة ـ : العدة يقال أخذ للسفر اهبته أى عدته.
(٥) المغتبط : المسرور ، واحتقب الشئ جمعه ، وغانم فاعل من غنم يغنم. والمتيسر هو الذى يمكنه أن يفعل ما يشاء من الخيرات.