وحليف الهموم ، وقرين الاحزان ، ورصيد الافات ، وصريع الشهوات (١) وخليفة الاموات.
أما بعد فان فيما تبينت من إد بار الدنيا عني وجموح الدهر علي وإقبال الاخرة إلي ما يز عني عن ذكر من سواي (٢) والاهتمام بما ورائي غيرأني حيث تفرد بي دون هم الناس هم نفسي ، فصد فني رأيي وصرفني عن هواي ، وصرح لي محض أمري فأفضى بي إلى جد لايرى معه لعب ، وصدق لا يشوبه كذب (٣) وجدتك بعضي بل وجدتك كلي (٤) حتى كان شيئا لو أصابك أصابني ، وحتى كان الموت لو أتاك أتاني ، فعناني من أمرك ما يعنيني عن أمر نفسي (٥) فكتبت إليك كتابي ، هذا مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت (٦).
فاوصيك بتقوى الله يا بني ، ولزوم أمره ، وعمارة قلبك بذكره ، والاعتصام بحبله ، وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله جل جلاله إن أخذت به فأحي قلبك بالموعظة ، وأمته بالزهد ، وقوة باليقين ، ونوره بالحكمة ، وذلله بذكر الموت ، وقرره بالفناء (٧) وأسكنه بالخشية ، وأشعره بالصبر ، وبصره فجائع الدنيا (٨) وحذره صولة
____________________
(١) الحليف المحالف ، والحلف ـ بالكسر وبالفتح ـ : المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد. والرصيد : الرقيب والذى يرصد. والصريح : الطريح.
(٢) جمع الفرس ادا غلب على صاحبه فلم يملكه. ويزعنى أى يمنعنى ويصدنى. و لفظة « ما » مفعول « تبينت ».
(٣) صدفه : صرفه والضمير للرأى ، والمحض : الخالص ، وأفضى أى انتهى. والشوب المزج والخلط.
(٤) اذا كان هو الخليفة له والقائم مقامه ووارث علمه وفضائله.
(٥) عنانى اى أهمنى من أمرك ما أهمنى من أمر نفسى.
(٦) كتب عليهالسلام اليه هذه الوصية ليكون له ظهرا ومستندا يرجع إلى العمل بها في حالتى بقائه وفنائه عنه.
(٧) أى اطلب منه الاقرار بالفناء.
(٨) الفجائع جمع الفجيعة وهى المصيبة تفزع بحلولها.