يا أحمد إن في الجنة قصرا من لؤلؤة فوق لؤلؤة ، ودرة فوق درة ليس فيها قصم ولا وصل ، فيها الخواص ، أنظر إليهم كل يوم سبعين مرة واكلمهم ، كلما نظرت إليهم أزيد في ملكهم سبعين ضعفا ، وإذا تلذذ أهل الجنة بالطعام والشراب تلذذوا بكلامي وذكري وحديثي. قال : يارب ما علامات اولئك؟ قال : هم في الدنيا مسجونون ، قد سجنوا ألسنتهم من فضول الكلام ، وبطونهم من فضول الطعام.
يا أحمد إن المحبة لله هي المحبة للفقراء والتقرب إليهم ، قال : يا رب و من الفقراء؟ قال : الذين رضوا بالقليل ، وصبروا على الجوع ، وشكروا على الرخاء ، ولم يشكروا جوعهم ولاظمأهم ، ولم يكذبوا بألسنتهم ، ولم يغضبوا على ربهم ولم يغتموا على ما فاتهم ، ولم يفرحوا بما آتاهم.
يا أحمد محبتي محبة للفقراء فادن الفقراء وقري مجلسهم منك ادنك ، و بعد الاغنياء ، وبعد مجلسهم منك فان الفقراء أحبائي.
يا أحمد لا تتزين بلين اللباس ، وطيب الطعام ، ولين الوطاء ، فان النفس مأوى كل شر ، وهي رفيق كل سوء ، تجرها إلى طاعة الله ، وتجرك إلى معصية وتخالفك في طاعته. وتطيعك فيما تكره ، وتطغى إذا شبعت ، وتشكو إذا جاعت ، و تغضب إذا افتقرت ، وتتكبر إذا استغنت ، وتنسى إذا كبرت ، وتغفل إذا أمنت وهي قرينة الشيطان ، ومثل النفس كمثل النعامة تأكل الكثير وإذا حمل عليها لا تطير ، ومثل الدفلي (١) لونه حسن وطعمه مر.
يا أحمد أبغض الدنيا وأهلها وأحب الآخرة وأهلها ، قال : يارب ومن أهل الدنيا ومن أهل الآخرة؟ قال : أهل الدنيا من كثر أكله وضحكه ونومه وغضبه قليل الرضا لا يعتذر إلى من أساء إليه ، ولا يقبل معذرة من اعتذر إليه ، كسلان عند الطاعة ، شجاع عند المعصية ، أمله بعيد وأجله قريب ، لا يحاسب نفسه ، قليل المنفعة ، كثير الكلام ، قليل الخوف ، كثير الفرح عند الطعام ، وإن أهل الدنيا
____________________
(١) بكسر الدال وسكون الفاء والف مقصورة نبت زهره كالورد الاحمر. يقال له بالفارسية (خر زهره) ورقها كورق الخلاف مرالطعم محلل نافع من الحكة والجرب.