فاصغاك (١) من فرغ عن جورهم ، وأمن من الطمع فيهم ، فهو مقبل على شأنه ، مدار لاهل زمانه.
ومن صفة العالم أن لا يعظ إلا من يقبل عظته ، ولا ينصح معجبا برأيه ، ولا يخبر بما يخاف إذا عته.
ولا تودع سرك إلا عند كل ثقة ، ولا تلفظ إلا بما يتعارفون به الناس ، ولا تخالطهم إلا بما يفعلون ، فاحذر كل الحذر وكن فردا وحيدا.
واعلم أن من نظر في عيب نفسه شغل عن عيب غيره ، ومن كابد الامور عطب ومن اقتحم اللجج غرق ، ومن أعجب برأيه ضل ، ومن استغنى بعقله زل ، ومن تكبر على الناس ذل. ومن مزح استخف به ، ومن كثر من شئ عرف به ، ومن كثر كلامه كثر خطاؤه ، ومن كثر خطاؤه قل حياءه ، ومن قل حياؤه ، قل ورعه ، ومن قل ورعه قل دينه ، ومن قل دينه مات قلبه ، ومن مات قلبه دخل النار.
قيل : وقف رجل على الحسن بن علي عليهماالسلام فقال : يا ابن أمير المؤمنين بالذي أنعم عليك بهذه النعمة التي مانلتها منه بشفيع منك إليه ، بل إنعاما منه عليك إلا ما أنصفتني من خصمي فانه غشوم ظلوم ، لا يوقر الشيخ الكبير ولا يرحم الطفل الصغير.
وكان متكئا فاستوى جالسا وقال له : من خصمك حتى أنتصف لك منه؟ فقال له : الفقر ، فأطرق عليهالسلام ساعة ثم رفع رأسه إلى خادمه وقال : احضر ما عندك من موجود ، فأحضر خمسة آلاف درهم فقال : ادفعها إليه ، ثم قال : له بحق هذه الاقسام التي أقسمت بها علي متى أتاك خصمك جائرا إلا ما أتيتني منه متظلما.
بيان : (٢).
____________________
(١) كذا.
(٢) كان هنا بياض مقدار صفحة.