قوت الموت.
أي بني لاتؤيس مذنبا ، فكم من عا كف على ذنبه ختم له بخير ، وكم من مقبل على عمله مفسد في آخر عمره ، صائر إلى النار ، نعوذ بالله منها.
أي بني كم من عاص نجا ، وكم من عامل هوى ، ومن تحرى الصدق خفت عليه المؤن (١) في خلاف النفس رشدها ، الساعات تنقص الاعمار ، ويل للباغين من أحكم الحاكمين ، وعالم ضمير المضمرين.
يا بني بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد ، في كل جرعة شرق وفي كل اكلة غصص (٢) لن تنال نعمة إلا بفراق اخرى ، ما أقرب الراحة من النصب ، والبؤس من النعيم ، والموت من الحياة ، والسقم من الصحة.
فطوبى لمن أخلص لله عمله وعلمه وحبه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه و صمته وفعله وقوله. وبخ بخ (٣) لعالم عمل فجد ، وخاف البيات فأعد واستعد ، إن سئل نصح وإن ترك صمت ، كلامه صواب وسكوته من غيرعي جواب (٤) والويل كل الويل لمن بلي بحرمان وخذلان وعصيان ، فاستحسن لنفسه ما يكرهه من غيره وأزرى على الناس بمثل ما يأتي (٥).
واعلم أي بني أنه من لانت كلمته وجبت محبته ، وفقك الله لرشده وجعلك من أهل طاعته بقدرته إنه جواد كريم.
بيان : (٦).
____________________
(١) التحرى : القصد والاجتهاد في الطلب. والمؤن ـ بضم الميم وفتح الهمزة ـ : جمع المؤونة وهى القوت أو الشدة والثقل.
(٢) الشرق : الغصة وهى اعتراض الشئ في الحلق وعدم اساغته ويطلق الاول في المشروبات والثانى في المأكولات.
(٣) « بخ » اسم فعل للمدح واظهار الرضى بالشئ ويكرر للمبالغة ، فيقال : بخ بخ بالكسر والتنوين. (٤) العى : العجز عن الكلام.
(٥) أزرى عليه عمله. أى عاتبه وعابه عليه.
(٦) كان هنا بياض مقدار نصف صفحة.