بالمنع فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أن أكثر حاجات الناس إليك مالا مؤونة عليك فيه من شكاية مظلمة أوطلب إنصاف. فانتفع بما وصفت لك واقتصرفيه على حظلك ورشدك إن شاءالله.
ثم إن للمولك خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف (١) فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الاشياء ، ولا تقطعن لاحد من حشمك ولا حامتك قطيعة (٢) ولا تعتمدن في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونتهم على غير هم فيكون مهنأ ذلك لهم دونك وعيبه عليك في الدنيا والآخرة (٣) عليك بالعدل في حكمك إذا انتهت الامور وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد ، وكن في ذلك صابرا محتسبا ، وافعل ذلك بقرابتك حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليه منه (٤) فان مغبة ذلك محمودة.
وإن ظنت الرعية بك حيفا فأصحرلهم بعذرك (٥) واعدل عنك ظنونهم
____________________
(١) الاستئثار : تقديم النفس على الغير. والتطاول : الترفع والتكبر.
(٢) الحسم : القطع. والحشم ـ محركة ـ : الخدم. وفى النهج « حاشيتك ». والحامة الخاصة. والقطيعة ـ من الاقطاع ـ : المنحة من الارض.
(٣) العقدة : الولاية على البلد ، وما يمسك الشئ ويوثقه ، وموضع العقد وهو ما عقد عليه والضيعة ، والعقار الذى اعتقده صاحبه ملكا ، والبيعة المعقودة لهم ، والمكان الكثير الشجر أو النخل والكلاء الكافى للابل. وفى النهج هكذا « ولا تقطعن لاحد من حاشيتك و حامتك قطيعة ولا يطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس ». والمهنأ ، ما يأتيك بلامشقة والمنفعة الهنيئة.
(٤) في النهج « واقعا ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه ». والمغبة : العاقبة.
(٥) الحيف : الظلم. والاصحار : الابراز والاظهار. أى اذا فعلت فعلا وظنت الرعية أنه ظلم فأبرزلهم عذرك وبينه. وعدل عته : نحاه عنه.