بإصحارك ، فان تلك رياضة منك لنفسك ، ورفق منك برعيتك ، وإعذار تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم على الحق في خفض وإجمال (١). لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك فيه رضى (٢) فان في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك وأمنا لبلادك ، ولكن الحذر كل الحذر (٣) من مقاربة عدوك في طلب الصلح فان العدو ربما قارب ليتغفل ، فخذ بالحزم وتحصن كل مخوف تؤتي منه. وبالله الثقة في جميع الامور. وإن لجت بينك (٤) وبين عدوك قضية عقدت له بها صلحا أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بالامانة واجعل نفسك جنة دونه (٥) فانه ليس شئ من فرائض الله عزوجل الناس أشد عليه اجتماعا في تفريق أهوائهم ، وتشتيت أديانهم من تعظيم الوفاء بالعهود (٦) وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا (٧) من الغدر والختر ، فلا تغدرن بذمتك ولا تخفر بعهدك (٨) ولا تختلن عدوك ، فانه لا يجترى ء على الله إلا جاهل ، قد جعل الله عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته (٩) وحريما يسكنون إلى منعته ، ويستفيضون به
____________________
(١) الخفض : السكون والدعة.
(٢) في النهج « ولله فيه رضى ».
(٣) في النهج « ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه ».
(٤) اللجاج : العناد والخصومة. لج في الامر : لازمه وأبى أن ينصرف عنه.
(٥) أى دون ما أعطيت ، كما في النهج.
(٦) الناس مبتدأ وخبره أشد والجملة خبر ليس ، يعنى ان الناس مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم لم يجتمعوا على فريضة أشد اهتماما من اجتماعهم على تعظيم الوفاء بالعهود حتى أن المشركين التزموا به مع أنهم ليسوا من المسلمين.
(٧) استوبلوا : استو خموا من عواقب الغدر والختر وهو الغدر أيضا.
(٨) فلا تخفر أى فلا تنقض بعهدك وفى النهج « ولا تخيسن » من خاس بعهده أى خانه ونقضه.
(٩) الافضاء أصله الاتساع وهنا محار ويراد به الافشاء والانتشار. والحريم : ما حرم أن يمس. والمنعة : القوة التى تمنع من يريد باحد سوءا.