الناس إن الله أرسل إليكم رسولا ليزيح به علتكم ، ويوقظ به غفلتكم ، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الامل ، أما اتباع الهوى فيصد كم (١) عن الحق ، وأما طول الامل فينسيكم الآخرة. ألا وإن الدنيا قدتر حلت مدبرة وإن الاخرة قد أقبلت مقبلة ، ولكل واحد منهما بنون فكونوا من أبناء الاخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فان اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل ، و اعلموا أنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت ، ومحاسبون علي أعمالكم ومجازون بها فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ، فانها دار بالبلاء محفوفة وبالعناء والغدر موصوفة وكل ما فيها إلى زوال وهي بين أهلها دول وسجال (٢) لاتدوم أحوالها ، ولا يسلم من شرها نزالها ، بينا أهلها منها في رخاء وسرور إذا هم في بلاء وغرور ، العيش فيها مذموم ، والرخاء فيها لا يدوم ، أهلها فيها أهداف وأغراض مستهدفة (٣) وكل فيها حتفه مقدور وحظه من نوائبها موفور ، وأنتم عبدالله على محجة من قد مضى ، وسبيل من كان ثم انقضى (٤) ممن كان أطول منكم أعمارا ، و أشد بطشا وأعمر ديارا ، أصبحت أجسادهم بالية ، وديارهم خالية وآثارهم عافية فاستبدلوا بالقصور المشيدة ، والنمارق الموسدة (٥) بطون اللحود ومجاورة اللدود في دار ساكنها مغترب ، ومحلها مقترب. بين قوم مستوحشين متجاورين غير متزاورين لا يستأنسون بالعمران ، ولا يتواصلون تواصل الجيران. على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار ، وكيف يكون بينهم تواصل ، وقد طحنتهم البلى ، وأظلتهم الجنادل و
____________________
(١) في المصدر « فيضلكم ».
(٢) أى تارة لهم وتارة عليهم.
(٣) زاد في المصدر « وأسبابها مختلفة ».
(٤) في المصدر « واعملوا عبادالله أنكم وما أنتم فيه من زهرة الدنيا على سبيل من قد مضى ـ الخ » وجعل ما في المتن نسخة.
(٥) في المصدر « والنمارق الموسدة الصخور والاحجار في القبور التى خرب فناؤها وتهدم بناؤها فمحلها مقترب وساكنها مغترب الخ ». والمغترب : الظاعن.