الانعام ما لا تنفده مطالب الانام ، لانه الجواد الذي لا يغيضه سؤال السائلين (١) ولا يبخل إلحاح الملحين.
ومنها :
لا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين ، هو القادر الذي إذا ارتمت الاوهام (٢) لتدرك منقطع قدرته ، وحاول الفكر المبرء من خطر الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته (٣) وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفيات صفاته ، وغمضت (٤) مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتنال علم ذاته ردعها وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب ، متخلصة إليه سبحانه (٥) فرجعت إذ جبهت معترفه بأنه لا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته (٦) ولا يخطر ببال أولى الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته ، الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ، ولا مقدار
____________________
(١) أى لا يغيضه ، من أغاضه الله. وفى بعض نسخ النهج المخطوطة « يغيظه ». والح في السؤال أى بالغ فيه.
(٢) ارتمت الاوهام أى ذهبت أمام الافكار. وارتمى مطاوع رمى يقال : رماه فارتمى الصيد رماه ، ارتمت به البلاد : اخرجته. والاوهام خطرات القلب. ومنقطع قدرته أى موضع الانقطاع.
(٣) المراد بملكوته عزه وسلطانه. وتولهت أى اشتدت عشقها وحنت اليه.
(٤) غمض الشئ ـ بفتح الغين المعجمة ـ أى خفى مأخذه ، ومداخل العقل طرق الفكر.
(٥) اى ردها ، والجملة جزاء للشرط السابق قوله « اذا ارتمت » ، والضمير المنصوب راجع إلى الاوهام وغيرها. والواد للحال. وتجوب اى تقطع. والمهاوى جمع مهواة وهى الحفرة أوما بين الجبلين ويراد بها المهلكة. والسدف جمع سدفة وهى القطعة من الليل المظلم. ومتخلصة اى مثوجهة اليه. وجبهه كمنعه ـ اى ضرب جبهته.
(٦) الجور : العدول عن الطريق ، والاعتساف قطع المسافة على غير جادة معلومة والمراد بجور اعتسافها شدة جولانها في ذلك الملك الذى لاجادة له ولا يفضى إلى المقصود.