عند فراغها ، ومن كانت غده شر يوميه فمحروم ، ومن لم يبال ما رزء (١) من آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك ، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى ، ومن كان في نقص فالموت خير له.
يا شيخ إن الدنيا خضرة حلوة ولها أهل وإن الاخرة لها أهل ، ظلفت أنفسهم عن مفاخرة أهل الدنيا (٢) لا يتنافسون في الدنيا ، ولا يفرحون بغضارتها ، ولا يحزنون لبؤسها.
يا شيخ من خاف البيات قل نومه ، ما أسرع الليالي والايام في عمر العبد ، فاخزن لسانك ، وعد كلامك يقل كلامك إلا بخير.
يا شيخ ارض للناس ما ترضى لنفسك ، وأت إلى الناس ما تحب أن يؤتي إليك.
ثم أقبل على أصحابه فقال : أيها الناس أما ترون إلى أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى ، فبين صريع يتلوى ، وبين عائد ومعود (٣) وآخر بنفسه يجود ، وآخر لا يرجى وآخر مسجى (٤) وطالب الدنيا والموت يطلبه ، وغافل و ليس بمغفول عنه ، وعلى أثر الماضي يصير الباقي.
فقال له زيد بن صوحان العبدي : يا أمير المؤمنين أي سلطان أغلب وأقوى؟ قال : الهوى قال : فأي ذل أذل؟ قال : الحرص على الدنيا ، قال : فأي فقر أشد؟ قال : الكفر بعد الايمان ، قال : فأي دعوة أضل؟ قال : الداعي بما لا يكون قال : فأي عمل أفضل؟ قال : التقوى ، قال فأي عمل أنجح؟ قال : طلب ما عند الله ، قال : فأي صاحب شر؟ قال : المزين لك معصية الله ، قال :
____________________
(١) رزأه : أصابه ونقصه.
(٢) ظلف نفسه عن الشئ : كف عنه.
(٣) تلوى أى انعطف وانطوى. والصريع : المطروح على الارض. والمعود الذى يعوده الناس في مرض.
(٤) سجى الميت تسجية : مد عليه ثوبا يستره.