فبعضهم كالجوهري قال : هو التراب ، ووافقه ابن فارس في المجمل ، و نقل ابن دريد في الجمهرة عن أبي عبيدة : أنه التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ ولا رمل ، ونقل الطبرسي عن الزجاج أن الصعيد ليس هو التراب ، إنما هو وجه الارض ، ترابا كان أو غيره ، سمى صعيدا لانه نهاية ما يصعد من باطن الارض ، و قريب منه مانقله الجوهري عن ثعلب ، وكذا مانقل المحقق في المعتبر عن الخليل عن ابن الاعرابي ، ولاختلاف أهل اللغة في الصعيد اختلف فقهاؤنا في التيمم بالحجر لمن تمكن من التراب ، فمنعه المفيد وأتباعه لعدم دخوله في اسم الصعيد ، وجوز
____________________
وقد يعبر عنه بما ارتفع من الارض ، فيشتبه على من لا دراية له في اللغة أن المراد به الموضع المرتفع كالربوة والاكمة ، مع أن المراد به الغبار المرتفع من الارض.
واما قول ثعلب ومن حذا حذوه بأن المراد بالصعيد مطلق وجه الارض لكونه نهاية ما يصعد من باطن الارض ، فهو مدخول كدليله ، فان باطن الارض لا يصعد إلى ظاهره وهو ظاهر ، ونقل الجوهري عنه استدلاله بقوله تعالى « فتصبح صعيدا زلقا » الكهف : ٤٠ وفيه أن المراد به الرماد الحاصل بعد احتراق الجنة بالصاعقة وظاهر أن الرماد صعيد كالتراب الا أن التراب صعيد طيب والرماد صعيد زلق أي غير طيب ، ومثله قوله تعالى « وانا لجاعلون ماعليها صعيدا جرزا » الكهف : ٨ ، حيث ان المراد بما عليها الاشجار والنباتات وسائر ما اتخذ منها من الجنان ، وان الله جاعلها قبل يوم القيامة كالسبخة التي لا تنبت الا الحشيش والاشواك ، ولا يرى عليها الا أثر النباتات واصول الاشجار المجروزة عن وجهها.
ولما قال تعالى « فتيمموا صعيدا طيبا » وكان معنى التيمم القصد والطلب للاخذ ، و الصعيد هو التراب بعد ارتفاعه من الارض ، لم يكن يقدر المكلف على طلب الغبار الا بأن يضرب باطن يديه على الصعيد وهو التراب المنتفش ليصعدذ الغبار منه ، فحينئذ ما يصعد من تحت يديه يعلق بباطن كفيه ، وما صعد من جوانب كفيه يصعد إلى الهواء ، ولذلك أمر أهل البيت عليهم الصلاة والسلام بأن يضرب المتيمم بباطن كفيه على الارض ، دون أن يمسح أو يأخذ منه بوجه آخر ، فافهم ذلك.