وأحسب أنّ الذين فضّلوا روايته على غيره ، لأنّ البخاري أخرجها في صحيحه ، وليس لهم أن يناقشوا ما دام الراوي عنه هو البخاري ، ومن روى عنه فقد جاز القنطرة؟!
ومهما يكن من أمرهم ، فعليهم وزرهم ولهم أجرهم ، ولكن هلمّ الخطب فيما ذكره أحمد أمين من أدلّة الوضع ، فقال : ( إنّك ترى روايتين نقلتا عن ابن عباس أحياناً وهما متناقضتان لا يصح أن تنسبا إليه جميعاً ، فترى ابن جرير مثلاً عند تفسير قوله تعالى : ( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ) (١) ، عن معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : ( إنّما هو مثل ) ، قال قطعهن ... وقال بعد قليل : حدثنا محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ) ، صرهن : أوثقهن ... ).
واللافت للنظر أنّ أحمد أمين لم يكن دقيقاً في أمانته في النقل ، كما ينبغي أن يكون ويقتضيه لقب الأمين في نسبه ، وذلك أنّه نقل عن ابن جرير روايتين تخيّل فيهما شاهداً على التناقض بينهما في الروايات عن ابن عباس ، بينما كانت الأمانة تفرض عليه نقل ما ذكره ابن جرير من الروايات جملة وتفصيلاً ، ثم يحكم عليها بالتناقض لو كان. أمّا وقد اقتصر على روايتين من ست روايات تتفق في معناها وتتفاوت في ألفاظها ثم يزعم التناقض ، فليس هذا في شيء من الأمانة!
____________________
(١) البقرة / ٢٦٠.