واختلف السلف في التحريق ، فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقاً ، سواء كان ذلك بسبب كفر أو في حال مقاتلة أو كان قصاصاً ، وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما ، وسيأتي ما يتعلق بالقصاص قريباً. وقال المهلب : ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع ، ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة ، وقد سمل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أعين العرنيين بالحديد المحمى ، وقد حرق أبو بكر البغاة بالنار بحضرة الصحابة ، وحرق خالد بن الوليد بالنار ناساً من أهل الردة ، وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب على أهلها ، قاله الثوري والأوزاعي.
وقال ابن المنير وغيره : لا حجة فيما ذكر للجواز ، لأنّ قصة العرنيين كانت قصاصاً أو منسوخة كما تقدم ، وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابي آخر ، وقصة الحصون والمراكب مقيدّة بالضرورة إلى ذلك إذا تعيّن طريقاً للظفر بالعدو ، ومنهم من قيّده بأن لا يكون معهم نساء ولا صبيان كما تقدم. وأمّا حديث الباب فظاهر النهي فيه التحريم وهو نسخ لأمره المتقدم ، سواء كان بوحي إليه أو بإجتهاد منه ، وهو محمول على من قصد إلى ذلك في شخص بعينه. وقد اختلف في مذهب مالك في أصل المسألة وفي التدخين وفي القصاص بالنار.
وفي الحديث جواز الحكم بالشيء إجتهاداً ثم الرجوع عنه ، وإستحباب ذكر الدليل عند الحكم لرفع الإلباس ، والإستنابة في الحدود ونحوها ، وأنّ طول الزمان لا يرفع العقوبة عمّن يستحقها. وفيه