نظرية مخالفة الصحابة وعدم جواز مخالفة سيرة الشيخين.
فكانت إجتهادات عمر تحتل مكاناً كبيراً في المخالفات الشرعية ، ومنذ أيامه ما كان أحد يقوى على صدّه أو يفتي بضده ، ومن كان يجرأ على مخالفته؟ لو لا ما كان من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنه في إصلاح بعض ما تيسّر لهما ، حتى أنّه قد اعترف لهما بالفضل نحو أقواله الكثيرة في الإمام عليه السلام ، حتى اشتهر منها قوله : ( لولا عليّ لهلك عمر ) (١) ، وقال في ابن عباس : ( لقد طرأت علينا عضل ) (٢) ، أو ( غص يا غواص ) (٣). ومن بعد عمر ، فقد اتخذت سيرته وسيرة سلفه أبي بكر حجة مقابل سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففضلوا سيرة الشيخين ، ولعلّ أوّل من نادى رسمياً بهما عبد الرحمن بن عوف في بيعة عثمان ، وهكذا تغيبّت من أذهان العامة أحكام شرعية ، فكان ابن عباس رضي الله عنه في مسائل العول والتعصب والمتعتين والطلاق ثلاثاً في مجلس واحد وغيرها من مخالفاته مع ابن عمر وعائشة وزيد بن ثابت ، فهو يعلن خلافه ما وسعه ذلك منذ أيام عثمان ومعاوية ويزيد وابن الزبير ، وأمّا قبلهم فكان على حذر من بطش السلطة.
وقد قيل له في مسألة العول وعدم إنكاره على عمر ، فكان يقول عن عمر ( فهبته ) كما مرّ الخبر ، أو ليس معنى هذا هو التقية التي التزم بها أمير
____________________
(١) الإستيعاب / ٣ في ترجمة الإمام علي ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ١٨ ، وذخائر العقبى / ٨١ ، ومناقب الخوارزمي٨٠ / الحديث ٦٥.
(٢) تهذيب الآثار للطبري ( مسند علي ) ١ / ١٧٨ ، وكنز العمال١٣ / ١٩٧ ، وأعلام الموقعين لابن القيم ١ / ١٩ ، وشذرات الذهب١ / ٧٥.
(٣) راجع من كتب التفسير تفسير الفخر الرازي٣٢ / ٣٠ سورة القدر ، ومن كتب الأصول قواطع الأدلة في الأصول١ / ٣٦٢ ، وأصول السرخسي ١ / ٣٠٧ ، وكشف الأسرار باب الإجماع ٣ / ٣٤٦ ، ومن كتب اللغة أساس البلاغة للزمخشري ١ / ٤٥٩ ( غوص ) ، وتاج العروس١٨ / ٦٢.