كان يحدّث به ، ولعلّ سرُ معنى بكائه الشديد حتى يبلّ دمعه الحصى ، فهو قد يكنى عن الرجل الذي منع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كتابة الكتاب حين لا يأمن شر غائلة المستمعين ، كما صرّح بهذا لسليم بن قيس التابعي الشهير صاحب الكتاب المشهور باسمه ـ وهو أوّل كتاب تصل نسخته من تراث التابعين ـ فقد جاء فيه : ( أبان بن أبي عياش عن سليم ، قال : إنّي كنت عند ابن عباس في بيته وعنده رهط من الشيعة ، قال : فذكروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموته ، فبكى ابن عباس وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الأثنين ـ وهو اليوم الذي قبض فيه ـ وحوله أهل بيته وثلاثون رجلاً من أصحابه : ( ايتوني بكتف أكتب لكم فيه كتاباً لن تضلوا بعدي ولن تختلفوا بعدي ) ، فمنعهم ... هذه الأمة ، فقال : إنّ رسول الله يهجر ، فغضب رسول الله ، وقال : ( إنّي أراكم تخالفوني وأنا حي فكيف بعد موتي ) ، فترك الكتف.
قال سليم : ثم أقبل عليَّ ابن عباس فقال : يا سليم لولا ما قال ذلك الرجل لكتب لنا كتاباً لا يضلّ أحد ولا يختلف اثنان ، فقال رجل من القوم : ومن ذلك الرجل؟ فقال : ليس إلى ذلك سبيل.
فخلوت بابن عباس بعد ما قام القوم ، فقال : هو عمر ، فقلت قد سمعت عليّاً عليه السلام وسلمان وأبا ذر والمقداد يقولون : ( إنّه عمر ) ، فقال : يا سليم أكتم إلاّ ممن تثق بهم من إخوانك ، فإنّ قلوب هذه الأمّة أشربت حبّ هذين الرجلين كما أشربت قلوب بني إسرائيل حبّ العجل والسامريّ ) (١).
ويظهر من رواية سليم عن ابن عباس رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كرر الطلب يوم الأثنين وهو يوم وفاته أيضاً ، بينما كان الطلب الأوّل في يوم الخميس قبل
____________________
(١) كتاب سليم / ٧٩٤ ح ٢٧ تحقيق الأنصاري.