قد طلبتهما في منازلك فما حسست لهما أثراً ، وإذا أبو بكر عن يمينه ، فقال : يا أبا بكر! قم فأطلب قرَّتي عيني ، ثمَّ قال : يا عمر قم فاطلبهما ، يا سلمان يا أبا ذرّ يا فلان يا فلان ، قال : فأحصينا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعين رجلاً بعثهم في طلبهما وحثَّهم فرجعوا ولم يصيبوهما.
فاغتمَ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لذلك غمّاً شديداً ، ووقف على باب المسجد وهو يقول : ( بحقّ إبراهيم خليلك وبحقّ آدم صفيّك إن كانا ـ قرَّتي عيني وثمرتي فؤادي ـ أخذا براً أو بحراً فاحفظهما أو سلّمهما ) ، فإذا جبريل عليه السلام قد هبط فقال : يا رسول الله إنَّ الله يقرئك السّلام ويقول لك : لا تحزن ولا تغتمَّ! الصبيّان فاضلان في الدَّنيا فاضلان في الآخرة ، وهما في الجنّة وقد وكّلت بهما ملكاً يحفظهما إذا ناما وإذا قاما.
ففرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرحاً شديداً ومضى وجبريل عن يمينه والمسلمون حوله ، حتّى دخل حَظيرة بني النجّار فسلّم على ذلك الملك الموكّل بهما ، ثم جثا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على ركبتيه وإذا الحسن معانقاً للحسين وهما نائمان ، وذلك الملك قد جعل إحدى جناحيه تحتهما والآخر فوقهما ، وعلى كلِّ واحد منهما درّاعة من شعر أو صوف والمداد على شفتيهما ، فما زال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يلثمهما حتّى استيقظا ، فحمل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الحسن ، وحمل جبريل الحسين ، وخرج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من الحظيرة.
قال ابن عبّاس : وجدنا الحسن عن يمين النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والحسين عن يساره وهو يقبّلهما ويقول : ( مَن أحبَّكما فقد أحبَّ رسول الله ومَن أبغضكما فقد أبغض رسول الله ).