حولها قائماً بين الشيعة وأهل السنّة والجماعة ، وليس الغرض من هذا البحث أن نخوض في الخلاف بين الفريقين ، ولكنّ الذي يعنينا ، هو التحقيق فيما أوصى به النبيّ صلىاللهعليهوآله أمّته مخبراً أنّها لن تضلّ بعده إنْ هي تمسّكت به ، والضلال هنا بمعنى تفرّق الأمّة عن صراط الله المستقيم الذي ارتضاه لها ، وإن شئتَ قلت : هو خروجها عن مقتضى قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) (١) ، وإنْ شئتَ قلت : هو ما عناه الرسول صلىاللهعليهوآله حين أخبر بانتقاض عرى الإسلام عروة عروة ، كلّما انتقضت عروة تشبّث الناس بالتي تليها ، فأولهنّ نقضاً الحكم ، وآخرهنّ نقضاً الصلاة ، فبانتقاض عروة الحكم ، انفكّت الجماعة التي أمر الله بها ، وأمر بها رسوله صلىاللهعليهوآله ، حتّى آل أمرها إلى ما نحن فيه اليوم ، إلى فتن يصير فيها الحليم حيراناً ، وأصبح الإسلام بيننا غريباً.
فهذا وعد نبويّ تلحُّ علينا الظروف التي نمرّ بها أنْ نرجع إليه ، ونراجع أنفسنا أمامه ، وقد تشتّت شمل أمّتنا وتفرّقت مذاهبها ، وتولّى أمرها أولياء حزب الشيطان ، يوادّون من حادّ الله ، ويحكمون بغير ما أنزل ، وتكالب أعداء الله علينا يغزون أرضنا ، ويستبيحون دماءنا ، بعد أنْ أفسدوا شبابنا ، وأشغلونا بزخرف الدّنيا عن أمر ديننا ، ودسوا عملاءهم بيننا ، وأشعلوا العداوات في صفوفنا ، وفشا فينا الفساد بكلّ ألوانه ، وشاعت في ديارنا الفاحشة حتـّى صارت فيها جمعيات
____________
(١) آل عمران : آية ١٠٣.