أتيت به على ما أراه من غضبه قتله ، وذهبت الآخرة ، وإن لم آت به وادهنت في أمره قتلني وقتل نسلي ، وأخذ أموالي ، فخيرت بين الدنيا والآخرة ، فمالت نفسي إلى الدنيا.
قال محمد بن الربيع : فدعاني ابي وكنت افظ ولده وأغلظهم قلبا (١) فقال لي : امض إلى جعفر بن محمد بن علي فتسلق (٢) على حائطه ولا تستفتح عليه بابا فيغير بعض ما هو عليه ، ولكن انزل عليه نزولا فأت به على الحال التي هو فيها.
قال : فأتيته وقد ذهب الليل إلا اقله ، فأمرت بنصب السلاليم ، وتسلقت عليه الحائط ، فنزلت عليه داره ، فوجدته قائما يصلي ، وعليه قميص ومنديل قد ائتزر به ، فلما سلم من صلاته قلت له : أجب أمير المؤمنين! فقال : دعني أدعو وألبس ثيابي ، فقلت له : ليس إلى تركك وذلك سبيل ، قال : وادخل المغتسل فأتطهر؟ قال : قلت : وليس إلى ذلك سبيل فلا تغسل نفسك فاني لا أدعك تغير شيئا.
قال : فأخرجته حافيا حاسرا في قميصه ومنديله ، وكان عليهالسلام قد جاوز السبعين فلما مضى بعض الطريق ضعف الشيخ ، فرحمته فقلت له : اركب ، فركب بغل شاكري (٣) كان معنا ثم صرنا إلى الربيع فسمعته وهو يقول له : ويلك يا ربيع قد أبطأ الرجل ، وجعل يستحثه استحثاثا شديدا ، فلما أن وقعت عين الربيع على جعفر بن محمد ، وهو بتلك الحال بكى وكان الربيع يتشيع فقال له جعفر عليهالسلام : يا ربيع أنا أعلم ميلك إلينا ، فدعني اصلي ركعتين ، وادعو ، قال : شأنك وما تشاء فصلى ركعتين خففهما ثم دعا بعدهما بدعاء لم أفهمه إلا أنه دعاء طويل ، والمنصور في ذلك كله يستحث الربيع ، فلما فرغ من دعائه على طوله أخذ الربيع بذراعيه فأدخله على المنصور ، فلما صار في صحن الايوان وقف ثم حرك شفتيه بشي ء ما لم
__________________
(١) الفظ : الغليظ السيئ الخلق ، الخشن الكلام والجمع افظاظ ، والغليظ القلب : ذوالقساوة الذي لا يرحم.
(٢) تسلق هنا فعل امر ، يقال : تسلق الجدار : تسوره وعلاه.
( ظ ) الشاكرى : الاجير والمستخدم معرب جاكر بالفتح.