فبينما أنا جالسة ذات يوم إذ دخلت علي جارية فسلمت علي ، فقلت : من أنت؟ فقالت : أنا جارية من ولد عمار بن ياسر ، وأنا زوجة ابي جعفر محمد بن علي الرضا عليهالسلام ، زوجك ، فدخلني من الغيرة ما لا أقدر على احتمال ذلك ، وهممت أن أخرج وأسيح في البلاد ، وكان الشيطان يحملني على الاساءة إليها ، فكظمت غيظي وأحسنت رفدها وكسوتها ، فلما خرجت. من عندي المرءة ، نهضت ودخلت على أبي وأخبرته بالخبر وكان سكران لا يعقل ، فقال : يا غلام علي بالسيف ، فأتي به فركب ، وقال : والله لاقتلنه فلما رأيت ذلك قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ماذا صنعت بنفسي وبزوجي ، وجعلت ألطم حر وجهي (١) فدخل عليه والدي ، وما زال يضربه بالسيف حتى قطعه ، ثم خرج من عنده ، وخرجت هاربة من خلفه فلم ارقد ليلتي.
فلما ارتفع النهار أتيت ابي فقلت : أتدري ما صنعت البارحة؟ قال : وما صنعت؟ قلت : قتلت ابن الرضا فبرق عينه ، وغشي عليه ، ثم أفاق بعد حين ، وقال : ويلك ما تقولين؟ قلت : نعم ، والله يا أبت دخلت عليه ولم تزل تضربه بالسيف حتى قتلته ، فاضطرب من ذلك اضطرابا شديدا ، وقال : علي بياسر الخادم ، فجاء يا سر فنظر إليه المأمون وقال : ويلك ما هذا الذي تقول هذه ابنتي؟ قال : صدقت يا أمير المؤمنين فضرب بيده على صدره وخده ، وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، هلكنا بالله وعطبنا وافتضحنا إلى آخر الابد ، ويلك يا ياسر! فانظر ما الخبر والقصة عنه؟ وعجل علي بالخبر ، فان نفسي تكاد أن تخرج الساعة.
فخرج ياسر وأنا ألطم حر وجهي فما كان باسرع من أن رجع ياسر فقال : البشرى يا أمير المؤمنين ، قال : لك البشرى فما عندك؟ قال ياسر : دخلت عليه فاذا هو جالس وعليه قميص ودواج (٢) وهو يستاك فسلمت عليه وقلت : يا ابن رسول الله أحب أن تهب لي قميصك هذا أصلي فيه ، وأتبرك به ، وإنما أردت أن أنظر
__________________
(١) حر الوجه بالضم ما بدامن الوجنة.
(٢) الدواج كزنار وغراب : اللحاف الذي يلبس.