إنّ الأهمية القصوى التي يحظى بها موضوع (الخلافة في الإسلام) كانت تتطلب بالضرورة أن يترجم الرسول الاكرم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) الخطابات الإستخلافية إلى هذا النوع من التفصيل الذي يذكر فيه العدد أولاً ، والخصوصيّات المتعددة الأُخرى التي سوف نقف على خصوصياتها ثانياً.
كما ويتطلب الأمر أن تُحوَّل المجملات التي قد تأتي بخصوص هذا الموضوع الخطير إلى مبيّنات واضحة ، ومشخّصة ، لا تقبل التأويل والتشكيك ، وترقى إلى مستوى إقامة الحجّة ، وإظهار البيان الكامل ، في مقام الوفاء بالمقصود والمراد.
إنَّ تكريس فكرة (الخلافة الإسلامية) من قبل النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) في ذهنية المسلمين بهذا النحو من التعبير يعزّز ما نؤمن به مبدئياً من أنَّ هذه الألفاظ والنعوت المذكورة لـ (الخفاء الاثني عشر) ، كقوله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) : (خليفة) ، أو (وصيّاً) ، أو (أميراً) ، أو (قيّماً) ، أو (حجَّةً).. إنّما يقصد بها الخلافة الواقعيّة التي تحفظ الإسلام من التبدّل ، والتحريف ، والتشويه ، وتصونه من يد الظلم ، والجور والسياسات التخريبيّة التي تتلون بألوان شتى ، وتحاول استعباد المسلمين بمختلف الوسائل والأساليب ، ومن كافة المحاور والمنطلقات.
وفي الحقيقة إنَّ هذا التفسير لا يحمِّل الحديث المذكور أمراً إضافياً ، ولا يتعسّف في تفسير الألفاظ الواردة فيه إلى حيث التأويلات البعيدة عن المنهج العلمي في التعامل مع المداليل ، بل يسترسل مع الألفاظ في مداليلها الواقعيّه ، وما يسبق إلى الذهن منها في الخطاب الشرعي والعرفي على حدّ سواء.
من هنا ، ومن خلال القرائن الإضافيّة
التي سوف نذكرها لاحقاً ندرك أنَّه لفي غاية البعد والغرابة أن يكون رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ
وآلِهِ وسَلَّمَ) قد أراد من النعوت
التي ذكرها في حديث (الخلفاء الاثني عشر) الحكّامَ والأُمراء الذين يمسكون بزمام الحكم عن طريق السيف والغلبة ، ويتحكّمون بمجريات الحياة الإسلامية ، وفقاً لهذا المبدأ المزعوم ، وإنّما يقصد (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)
من هؤلاء (الخلفاء الإثني عشر) الذين يأتون من بعده ، أولئك النفر الذين يمثّلون نفس الواقع الذي عاشه همومه ، ومارسه بنفسه