أولاً : أحداث السقيفة بعد رحيل رسول الله
وفقاً للمنهج العلمي الذي آثرنا على أنفسنا أن لا نحيد عنه من أول البحث نجد أن من الطبيعي أن تقترن مسألة كتمان أحاديث الرسول الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بمسألة المنع من تدوين الأحاديث المروية عنه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، إذ إنَّ المنع من تدوين حديث صاحب الرسالة (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) يعد من أبرز مظاهر الإخفاء والكتمان ، وأن حُفَّ بالكثير من الأعذار والمنتحلات.
وبهذا فأن الجذور الأولية لمسألة كتمان أحاديث الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) تعود من حيث النشوء إلى حيث العهد الأخير من حياة خاتم الأنبياء (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، فقد طلعت على المسلمين آنذاك محاولات تجنح إلى محاربة كل ظاهرة تسعى لتثبيت وتدوين ما قاله رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، بذريعة أنَّ السنَّة النبوية لا يصحّ أن تدون ، لئلا تختلط أقوال الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بأقوال الكتاب العزيز.
ويرى كل منصف هشاشة ما تحمله هذه الحجّة الواهية من ضعف واضطراب ، ولا يكاد يخفى أنَّ هناك دوافع وخلفيات أكبر من هذا المعنى المطروح بكثير ، تلك الدوافع هي التي جعلت روّاد هذا المبدأ يسيرون بدأب وجدّ ، في سبيل مواجهة تدوين الحديث ، ويتصدون بعزم كبير لكلّ من يحاول أن يخترق هذا المخطط المرسوم ، ويقف دون تحقق الطموح المعقود عليه.
وللأسف الشديد نرى أنَّ ما حصل هو عين هذه الغاية ، فقد رأينا ضياع الكثير من الأحاديث المصيريَّة الحساسة ، وخصوصاً ما يتعلق منها بمسألة خلافة الأمَّة الإسلامية بعد رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، بسبب اجتهاد البعض في مواقف لا يمكن للتأريخ أن يغتفرها مطلقاً ، مهما أحيطت بألوان التأويل ، وأنحاء الإنتحال والتبرير.