إن التأريخ سجَّل لنا موقفاً مصيرياً ، وحدثاً
كبيراً ، يصعب علينا إهماله ، وتجاوز ما خلّفه من آثار سلبية على حياة المسلمين ، كما أنَّ هناك كلمات أُطلقت على صاحب الرسالة المقدسة (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)
حينما أشرف على الرحيل من هذه الدنيا ، مما ترتجف اليد عندما تحاول أن تثبتها ، ويرتعش اللسان عندما يحاول أن ينطق بها ، إلا أننا لا نجد بُداً من ذكرها هنا ، حفظاً للحقائق التأريخية من التلف والضياع ،
وتحقيقا لما توخينا الوصول إليه ، من خلال تتبع الحقائق ، واستقصاء المظاهر ، التي
حفت بالرسالة الإسلامية ، فيما يتعلق بموضوعنا ، لكي يسفر الصبح لذي عينين. إنَّ الموقف المؤلم الذي سجله التأريخ
لنا بمرارة يتمثل بمنع (عمر بن الخطاب) رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)
من كتابة وصيته الأخيرة للأمة الإسلامية ، حيث قال (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)
على ما في (الصحاح) ، ومنهم (البخاري) ـ واللفظ له ـ ـ
(ائتوني بكتاب ، أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده. قال
عمر : أن النبي (صَلّى اللهُ عليهِ
وسَلَّمَ)
غلبه الوجع ! وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا
، وكثر اللغط ، قال (صَلّى اللهُ عليهِ
وسَلَّمَ)
: ـ
قوموا عنّي ، ولا ينبغي عندي التنازع. فخرج
(ابن عباس) يقول : ـ
إنَّ الرزية كلَّ الرزية ، ما حال بين رسول الله وبين كتابه) ١.
______________________
(١) البخاري ، صحيح البخاري ، ج : ١ ، كتاب العلم ، باب كتابة العلم ، ص : ٣٧ ، وج : ٤ ، كتاب : الجهاد ، باب : هل يستشفع إلى أهل الذمَّة ، ص : ٣١ ، وج : ٤ ، كتاب : الجزية ، باب : إخراج اليهود من جزيرة العرب ، ص : ٦٦ ، وج : ٥ ، كتاب : المغازي ، باب : مرض النبي ، ص : ١٣٧ ، وج : ٧ ، كتاب : المرضى ، باب : قول المريض : (قوموا عنّي) ، ص : ٩ ، وج : ٨ ، كتاب : الإعتصام ، باب : كراهية الخلاف ، ص : ١٦١.
وانظر : إرشاد الساري ، ج : ١ ، كتابة العلم ، ص : ٣٦٤ ، وفتح الباري ، ج : ١ ، كتابة العلم ، ص : ٢٠٨ ، وعمدة القاري ، ج : ٢ ، كتابة العلم ، ص : ١٦٩.