وبعد أن وجه يحيى الصابئة إلى الدين الحق انتهت مهمته فظهر إليه أبوه السماوي منداهيي بهيئة صبي يطلب التعميد، غير إن يحيى أجل القيام بذلک الى اليوم التالي. وعندما ذهب في الصباح الباکر إلى النهر لکي يغطس في الماء کعادته ثم يؤدي صلاته مثل أمامه مرة أخرى الصبي الذي کان قد طلب منه تعميده من قبل. فدعا يحيى الغريب إلى الدخول في النهر وتهيأ للبدء بالتعميد لکن الماء تراجع أمام الاثنين بشکل غير متوقع تارکاً المعمد والمعمد على اليابسة. وقد تکرر ذلک ثلاث مرات قبل أن تثبت بکلمة من منداهيي المياه في مکانها وقبل أن تبدأ الطيور في السماء والسمک في النهر بتمجيد ملک السماء. فعرف يحيى الذيکان يمتلک موهبة فهم الحيوانات عند ذلک حقيقة الشخص الذي کان يقف أمامه فارتمى يقبل أيدي أبيه، وما أن أخذ هذا يحيى من يديه حتى سقط المعمد جثة هامدة وتبعت روحه منداهيي حيث سارا سوية عبر المطراثة (جهنم) (١) وعبرا نهره دخشاشة ووصلا أخيراً إلى الجنة حيث سکن يحيى في قصر أبيه السماوي.
وقد واصل الصابئة بعد موت يحيى الذي ترك لهم عدداً كبيراً من تلاميذه بهيئة رجال دين من مختلف المراتب، العيش في القدس على وفاق تام مع الطائفة اليهودية ورئيسها اليزار الى أن تمكنوا من أن يجذبوا مربي ابنة اليزار الى دينهم. وقد ولد ذلك عداوة بين الصابئة واليهود تحولت بالتدريج الى صراع مكشوف وانتهت بمحق اليهود للصابئة. لم يبق
______________________
(١) المطراثة عند الصابئة هو المطهر الذي تذهب إليه الأرواح الخاطئة بعد انبعاثها حيث تتعذب فيه بدرجات متفاوتة إلى أن تتطهر من ذنوبها فتلتحق بالملأ الأعلى ـ المترجم.