لا يعلمون » (١) ويناسبه ما حصل عقيبه من المنصب العظيم وهو خلافة اللّه في أرضه.
ووجه آخر : لعل الاستغفار إنما كان لأن القوم لما تسوروا ظن داود عليه السلام بهم أنهم يقصدون قتله فلما لم يظهر الأمر كما ظن ندم على ذلك الظن ، فكان الاستغفار عليه ، أو لأنه لما هضم نفسه ولم يؤدبهم ولم ينتقم منهم مع القدرة التامة دخله شيء من العجب على كمال حلمه ، فكان الاستغفار منه لأن العجب من المهلكات. فهذا قول لا دلالة في الآية على شيء من الزلات وهو الحسن عندي.
( القول الثاني ) وهو قول من سلم دلالتها على الصغيرة فلهم فيها وجوه خمسة :
( الأول ) أنه عليه السلام كان عالما بحسن امرأة أوريا فلما سمع أنه قتل قل غمه لميل طبعه إلى نكاح زوجته ، فعوتب عليه بنزول الملكين.
( الثاني ) : أن أهل زمان داود عليه السلام كان يسأل بعضهم بعضا أن ينزل عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته ، وكان ذلك جائزا فيما بينهم ، فاتفق أن عين داود عليه السلام وقعت على امرأة أوريا ، فأحبها فسأله النزول عنها فاستحى أن يرده ، ففعل فتزوجها وهي أم سليمان عليه السلام ، فقيل له. إنك مع ارتفاع قدرك وكثرة نسائك لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلا ليست له إلا امرأة واحدة النزول عنها ، بل كان الواجب قهر نفسك.
( الثالث ) أن أوريا خطبها ثم خطبها داود عليه السلام فآثره أهلها فكان ذنبه أنه خطب على خطبة المؤمن مع كثرة نسائه.
__________________
١ ـ ما ورد عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في يوم أحد أنه قال : كيف يفلح قوم شجوا نبيهم (بخاري ٥ / ٣٥) وما ذكر هنا حكايته صلّى اللّه عليه وسلّم عن نبي من الأنبياء (بخاري ٨ ـ ٥١ ، ابن حنبل ١ / ٣٨٠).