إلا لسوء يريده من قتله أو لمكاره على أهله أو سرقة ماله خصوصا إذا كان صاحب الدار شخصا معظما فلما رأوه مستيقظا انتقض عليهم التدبير فاقترح بعضهم عند فزعه خصومة لا أصل لها زاعما أنهم قصدوه لاجلها دون ما توهمه فقالا (خَصْمٰانِ بَغىٰ بَعْضُنٰا عَلىٰ بَعْضٍ) ثم ادعى أحدهما على الآخر مالا. فقال ( إِنَّ هٰذٰا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ) الآية فقال داود عليه السلام ( لَقَدْ ظَلَمَكَ ) الآية ثم قال اللّه تعالى ( وَظَنَّ دٰاوُدُ أَنَّمٰا فَتَنّٰاهُ ) أي امتحناه. لكنه لم يعمل على ظاهر الحال ، ولم ينتقم منهم مع كونه ذا أيد وقوة وسلطان وقدرة بل صار مستغفرا للقوم الذين قصدوه وطالبا من اللّه تعالى العفو عنهم وذلك إن اللّه تعالى لم يقل إنه أذنب ولا أنه استغفر لنفسه فإن المستغفر قد يستغفر لنفسه تارة ولغيره أخرى. قال اللّه تعالى في وصف الملائكة ( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) (١) وقال أولاد يعقوب لوالدهم ( يٰا أَبٰانَا اِسْتَغْفِرْ لَنٰا ) (٢) ثم قال اللّه تعالى ( فَغَفَرْنٰا لَهُ ذٰلِكَ ) (٣) معنى غفرنا لأجل حرمة داود لأولئك وقبلنا شفاعته في التجاوز عنهم فهذا الذي قلناه مما ينطبق عليه لفظ الكتاب العزيز ، فلا يحتاج فيه إلى المجاز من حمل الخصمين على الملكين ، وادعاؤهما الخصومة على التمسك لا على التحقيق ، وحمل النعجة على المرأة ويناسبه أمر رسولنا عليه الصلاة والسلام بالاقتداء به في قوله ( فَاصْبِرْ كَمٰا صَبَرَ أُولُوا اَلْعَزْمِ مِنَ اَلرُّسُلِ ) (٤) وتأدب به عليه الصلاة والسلام يوم أحد لما هشمت ثناياه فقال « اللهم اهد قومي فإنهم
__________________
١ ـ سورة غافر الآية ٧.
٢ ـ سورة يوسف الآية ٩٧.
٣ ـ سورة ص الآية ٢٥.
٤ ـ سورة الاحقاف الآية ٣٥.