هذه الدلائل الباهرة لما أبطلت قولهم وجب القطع بفسادها. فالعجب اتفاق الناس على أن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن ، والظن إنما ينتفع به في العمليات وهذه المسألة ليست من العمليات ، فصارت روايتهم ساقطة العبرة من كل الوجوه. وعن سعيد بن المسيب والحارث الأعور أن عليا رضي اللّه عنه قال : « من حدثكم بحديث داود عليه السلام على ما يرويه القصاص جلدته مأتين وستين وهو حد الفرية على الأنبياء ». وروي أن واحدا ذكر ذلك الخبر عند عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق فكذب المحدث به وقال : إن كانت القصة على ما في كتاب اللّه تعالى فما ينبغي أن نلتمس خلافها ، وإن كان على ما ذكرت وكف اللّه عنها سترا على نبيه فيما ينبغي إظهارها عليه ، فقال عمر : سماعي هذا الكلام أحب إلي مما طلعت الشمس عليه.
فإذا ثبت هذا فلنبحث أنه هل في الآية ما يدل على صدور الصغيرة عنه أم لا؟ فنقول : قال كثير من أهل الحق قول اللّه ( هَلْ أَتٰاكَ نَبَأُ اَلْخَصْمِ ) (١) أخبر عن جماعة أنهم تسوروا قصره قاصدين قتله والإساءة إلى أهله فدخلوا قصره في وقت ظنوا أنه غافل. فلما رآهم داود عليه السلام خافهم لما تقرر في العرف أنه لا يتسور أحد دار غيره بغير أمره
__________________
كان ذلك الخصم قوما من بني آدم بلا شك مختصمين في نماذج من الغنم على الحقيقة بينهم. بغى أحدهما على الآخر على نص الآية. ومن قال : أنهم كانوا ملائكة معرضين بأمر النساء فقد كذب على اللّه عز وجل ، وقوله ما لم يقل وزاد في القرآن ما ليس فيه وكذب اللّه عز وجل ، وأقر على نفسه الخبيثة انه كذب الملائكة ، لان اللّه تعالى يقول ( هَلْ أَتٰاكَ نَبَأُ اَلْخَصْمِ ) فقال هو : لم يكونوا قط خصمين ، ولا بغي بعضهم على بعض ولا كان قط لاحدهما تسع وتسعون نعجة ولا كان للآخر نعجة واحدة ، ولا قال له : ( أَكْفِلْنِيهٰا ) فاعجبوا لما يقحم فيه أهل الباطل أنفسهم ، ونعوذ باللّه من الخذلان ثم كان ذلك بلا دليل ، بل الدعوى المجردة.
١ ـ قصة في سورة الآية ص ٢١ ـ ٢٦.