وَلاٰ نَبِيٍّ إِلاّٰ إِذٰا تَمَنّٰى أَلْقَى اَلشَّيْطٰانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) (١) قالوا : إن ظاهر الآية يدل على أن الشيطان ملق في قراءة الأنبياء ما يؤدي إنى الشبهة فإذا جوزنا ذلك ارتفع الوثوق ، روي أنه عليه الصلاة والسلام شق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به فتمنى في نفسه أن يأتيه من اللّه تعالى ما يقارب بينه وبين قومه ، وذلك لحرصه على إيمانهم ، فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله ، وأحب يومئذ أن لا يأتيه شيء من اللّه فينفروا عنه ، وتمنى ذلك فأنزل اللّه تعالى ( وَاَلنَّجْمِ إِذٰا هَوىٰ ) (٢) فقرأها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى بلغ ( أَفَرَأَيْتُمُ اَللاّٰتَ وَاَلْعُزّٰى وَمَنٰاةَ اَلثّٰالِثَةَ اَلْأُخْرىٰ ) (٣) ألقى الشيطان على لسانه ما كان يحدث به نفسه ويتمناه « تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى » فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ومضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قراءته فقرأ السورة كلها وسجد في آخرها فسجد المسلمون وسجد جميع من في المسجد من المشركين.
فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد ابن المغيرة وأبو أحيحة سعيد بن العاص ، فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتهما وسجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود ، وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا وقالوا : قد ذكر محمد عليه الصلاة والسلام بآلهتنا بأحسن الذكر. فلما أمسى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتاه جبريل عليه السلام وقال : ما ذا صنعت؟ تلوت على الناس ما لم آتك به عن اللّه ، وقلت ما لم أقل لك؟! فحزن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حزنا شديدا وخاف من اللّه خوفا كثيرا فأنزل اللّه هذه الآية (٤).
__________________
١ ـ سورة الحج آية ٥٢.
٢ ـ سورة النجم آية ١.
٣ ـ سورة النجم آية ١٩.
٤ ـ قال الحافظ ابن كثير في التفسير : قد ذكر كثير من المفسرين هنا قصة الغرانيق وما كان من رجوع كثير من مهاجرة الحبشة ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا