وإماما يهدي الناس إلى صراط ربهم العزيز الحميد؟ أو رجلا متهما في نسبه أو ناقصا مشوها في خلقه وجسمه يجعل منه داعيا إليه بإذنه ، والدعوة تستلزم أن يكون للداعي من المهابة في النفوس والإجلال في القلوب والمنزلة الكريمة عند الناس وظهور الكمال الخلقي والخلقي حتى تخضع لها الفطر السليمة والقلوب المستقيمة.
ومن أجل هذا بعث اللّه أنبياءه من أوسط قومهم نسبا وبرّأهم من العيوب الجسيمة المشوهة وأعطاهم أكمل صفات الرجولة من الشجاعة وصدق العزيمة وقوة الإرادة وشدة البأس وسعة الصدر وحدة الذهن وذكاء القلب وطلاقة اللسان وحلاوة المنطق ، وما إلى ذلك مما يكون به المختار لرسالة ربه أكمل الرجال في قومه وقبيلته وأملأهم للأسماع والأبصار. وفي قول اللّه تعالى لصفوة خلقه محمد صلّى اللّه عليه وسلّم (وَاِصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنٰا) (١) ولموسى عليه السلام (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلىٰ عَيْنِي) (٢) وقوله : ( وَاِصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) (٣) ما يوضح بأتم أنواع الإيضاح عن شدة عناية اللّه تعالى بمن سبق في علمه أن سيتخذه رسولا لخلقه وسفيرا بينه وبين عباده وليس ذلك ـ لعمر اللّه ـ خاصا بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم ولا بموسى لشخصهما الكريمين وإنما هو لكل واحد من أنبيائه ، إذا رجعت إلى القرآن الكريم رأيت هذا في قصص الأنبياء بينا واضحا ( إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ) (٤) ( قٰالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاّٰ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلٰكِنَّ اَللّٰهَ يَمُنُّ عَلىٰ مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَمٰا كٰانَ لَنٰا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطٰانٍ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ ) (٥).
__________________
١ ـ سورة الطور ، الآية ٤٨.
٢ ـ سورة طه ، الآية ٣٩.
٣ ـ سورة طه ، الآية ٤١.
٤ ـ من سورة الشعراء.
٥ ـ سورة ابراهيم ، الآية ١١.