وقال أبو محمد بن حزم في الملل والنحل : رأينا المعروف بابن الطيب الباقلاني فيما ذكر عنه صاحبه أبو جعفر السمناني قاضي الموصل : أنه قد يكون في الناس بعد النبي من هو أفضل من النبي من حين يبعث إلى حين يموت ، فاستعظمنا ذلك. وهذا شرك مجرد وقدح في النبوة لا خفاء به. وقد كنا نسمع عن قوم من المتصوفة إنهم يقولون : أن الولي أفضل من النبي وكنا لا نحقق هذا على أحد يدين بدين الإسلام إلى أن وجدنا هذا الكلام كما أوردنا فنعوذ باللّه من الارتداد. قال أبو محمد : ولو أن هذا الضال المضل يدري ما معنى لفظة إلى « أفضل » ويدري فضيلة النبوة لما انطلق لسانه بهذا الكفر. وهذا التكذيب للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم إذ يقول :
« إني لأتقاكم اللّه (١) ـ وإني لست كهيئتكم (٢) ـ وإني لست مثلكم » فإذ قد صح بالنص أن في الناس من لم يجترح السيئات ، وأن من اجترح السيئات لا يساويهم عند اللّه عز وجل فالأنبياء عليهم السلام هم أحق بهذه الدرجة وبكل فضيلة بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام بقول اللّه عز وجل ( اَللّٰهُ يَصْطَفِي مِنَ اَلْمَلاٰئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ اَلنّٰاسِ ) فأخبر اللّه تعالى أن الرسل صفوته من خلقه » ا ه (٣).
وقد غلا جماعة فجهلوا معنى المعصية وردوا الأحاديث الصحيحة يجهلهم وغلوهم هذا إذا قالوا : إن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لا يجوز عليه السهو ولا النسيان ظنا منهم أن هذا السهو معصية. وهذا من أبطل الباطل ، وقال أبو محمد بن حزم في الملل والنحل : فإن قال قائل : فهلا نفيتم عنهم السهو بدليل الندب إلى التأسي بهم؟ قلنا وباللّه تعالى التوفيق : إنكار ما ثبت كإجازة ما لم يثبت سواء ولا فرق ، والسهو منهم قد ثبت بيقين
__________________
١ ـ قسم من حديث الرهط الثلاثة رواه البخاري ومسلم.
٢ ـ قسم من حديث الوصال في الصوم رواه البخاري.
٣ ـ سورة الحج ، الآية ٧٥.