وأيضا فإن ندب اللّه تعالى لنا إلى التأسي بهم لا يمنع من وقوع السهو منهم ، لأن التأسي بالسهو لا يمكن إلا بسهو منا ، ومن المحال أن نندب إلى السهو أو نكلف السهو ، لأننا لو قصدنا إليه لم يكن حينئذ سهوا.
ولا يجوز أيضا أن ننهى عن السهو ، لأن الانتهاء عن السهو ليس في بنيتنا ولا في وسعنا ، وقد قال تعالى : ( لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا ) (١) ونقول أيضا : إننا مأمورون إذا سهونا أن نفعل كما فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذ سها ، وأيضا فإن اللّه تعالى لا يقر الأنبياء عليهم السلام على السهو بل ينبههم في الوقت ، ولو لم يفعل تعالى ذلك لكان لم يبين لنا مراده منا في الدين. وهذا تكذيب للّه عز وجل إذ يقول : ( تِبْيٰاناً لِكُلِّ شَيْءٍ ) (٢) وإذ يقول : ( اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (٣) إلى أن قال : وما نعلم أهل قرية أشد سعيا في إفساد الإسلام وكيده من الرافضة وأهل هذه المقالة ـ يعني ابن الباقلاني وشيعته ـ فإن كلتا الطائفتين الملعونتين أجازتا تبديل الدين وتحريفه وصرحت هذه الفئة ـ مع ما أطلقت على الأنبياء من المعاصي ـ بأن اللّه تعالى تعبدنا في دينه بغالب ظنوننا وأنه لا حكم للّه إلا ما غلب عليه ظن المرء منا وإن كان مختلفا متناقضا. وما نمتري في أنهم ساعون في إفساد أغمار المسلمين المحسنين بهم الظن نعوذ باللّه من الضلال » ا ه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة : « وأما المسائل المتقدمة فقد شرك غير الإمامية فيها بعض الطوائف إلا غلوهم في عصمة الأنبياء فلم يوافقهم عليه أحد حيث ادعوا أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لا يسهو. فإن هذا لا أعلم أحدا يوافقهم عليه ، اللهم إلا أن يكون من غلاة جهال النساك ،
__________________
١ ـ سورة البقرة ، الآية ٢٨٦.
٢ ـ سورة النحل ٨٩.
٣ ـ سورة المائدة الآية ٣.