حتى ليجعلون صدورهم دون صدره ، ويفدونه بأنفسهم وكل غال ويبذلونها في نشر دينه وملته؛ ويحملون أشق الصعاب في سبيل هذا طيبة به نفوسهم ، لا يرون ذلك إلا سعادة ونعيما حتى علت كلمة اللّه على كل كلمة ، وأتم اللّه نوره وأتم على الإسلام نعمته.
ثم نرى اولئك المتكلفين الذب عن الأنبياء والدفاع عن عصمتهم والمسودين الصحف في محاولة تنزيههم لا يذكرون شيئا بجانب اولئك الصحابة ، لا في حب الأنبياء ولا في اتباعهم ، ولا في جهاد اعدائهم ولا في بذل النفوس والأموال في سبيل مرضاتهم ونصرهم. أليس هذه من أعجب العجب؟
هذا وقد ألف الشريف المرتضى في هذا الباب كتابا أسماه (تنزيه الأنبياء) زعم فيه كذبا وباطلا أن أهل الحديث يجوزون على الأنبياء الكبيرة قبل النبوة. ومما يدلك على كذب هذا وافترائه ما قال الإمام أبو محمد بن حزم من ائمة أهل الحديث في الملل : فبيقين ندري أن اللّه تعالى صان أنبياءه عن أن يكونوا لبغية من أولاد بغي أو من بغايا بل بعثهم اللّه في حسب قومهم فإذ لا شك في هذا فبيقين ندري أن اللّه تعالى عصمهم قبل النبوة من كل ما يؤذون به بعد النبوة ا ه ، وقد اعتمد الشريف المرتضى في كتابه هذا على عقله في أكثر كلامه وحجابه ، حتى أنه أورد في الكلام على نبينا صلّى اللّه عليه وسلّم عدة أحاديث متواترة اللفظ والمعنى ثم ردها بأدلة العقول التي لا يدخلها ـ عنده ـ الاحتمال والمجاز فكان في أكثر ما أتى به غير موفق. وإنه ليغلب على ظني أنه إنما حمله على صنع كتابه هذا حرصه على عصمة ائمتهم ، وإنما اتخذ من ذكر الأنبياء دهليزا للدخول على مقصده. فإنك تجده ذكر ثلاثة عشر نبيا تكلم عليهم في مائة وتسع وأربعين صفحة بها فيهم نبينا محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وسود خمسين صفحة في دعوى عصمة خمسة من ائمتهم ، حشاها