أمر بالتثبت والتوقف في قبول شهادة الفاسق ، إلا أن هذا باطل فإن من لم تقبل شهادته في حال الدنيا فكيف تقبل شهادته في الأديان الباقية إلى يوم القيامة ، وأيضا فإنه تعالى شهد بأن محمدا عليه الصلاة والسلام شهيد على الكل يوم القيامة ، قال : ( وَكَذٰلِكَ جَعَلْنٰاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدٰاءَ عَلَى اَلنّٰاسِ وَيَكُونَ اَلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (١) ومن كان شهيدا لجميع الرسل يوم القيامة كيف يكون بحال لا تقبل شهادته في الجنة.
( الحجة الثالثة ) لو صدر الذنب عنهم لوجب زجرهم ، لأن الدلائل دالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لكن زجر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام غير جائز ، لقوله تعالى : ( إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّٰهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ فِي اَلدُّنْيٰا وَاَلْآخِرَةِ ) (٢) فكان صدور الذنب عنهم ممتنعا.
( الحجة الرابعة ) لو صدر الفسق عن محمد عليه الصلاة والسلام لكنا إما أن نكون مأمورين بالاقتداء به وهذا لا يجوز ، أو لا نكون مأمورين بالاقتداء به وهذا أيضا باطل لقوله تعالى : ( قُلْ : إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اَللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اَللّٰهُ ) (٣) ولقوله تعالى : ( فَاتَّبِعُوهُ ) (٤) ولما كان صدور الفسق يفضي إلى هذين القسمين الباطلين كان صدور الفسق عنه محالا.
( الحجة الخامسة ) لو صدرت المعصية عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لوجب أن يكونوا موعودين بعذاب اللّه بعذاب جهنم؛ لقوله تعالى : ( وَمَنْ يَعْصِ اَللّٰهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ
__________________
١ ـ سورة البقرة الآية ١٤٣.
٢ ـ سورة الأحزاب الآية ٥٧.
٣ ـ سورة آل عمران الآية ٣١.
٤ ـ سورة الأنعام الآية ١٥٣.