فدل ظاهر الآية على سلامة قلبه من الشك. ثم ذكر أنه عاتب قومه على عبادة الأصنام. فقال ( مٰا ذٰا تَعْبُدُونَ ) وسمى عبادتهم بأنها إفك وباطل. قال ( فَمٰا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ اَلْعٰالَمِينَ ) وهذا قول عارف باللّه تعالى.
فالمعتمد أن يقول في الجواب عن الوجه الأول : لا نسلم أن النظر في النجوم حرام ، وذلك لأن من اعتقد أن اللّه تعالى أجرى العادة أنه مهما حدث فيما بينهما اتصال مخصوص خلق في هذا العالم حادثا مخصوصا واعتقد أن اللّه تعالى خلق فيها قوى وجعلها أسبابا لحدوث الحوادث في هذا العالم فعلى هذا التقدير لا نسلم أن النظر في النجوم حرام سلمنا كونه حراما ، ولكن لعل اللّه أخبر إبراهيم عليه السلام بأنه مهما طلع النجم الفلاني فإنك تمرض. فنظر في النجوم فلما مرّ به قال إني سقيم.
سلمنا أن ذلك أيضا لم يكن ، لكن من المحتمل أنه حين نظر في النجوم تشبها بأهل زمانه في الظاهر وحكم أنه سقيم إيهاما على قومه أنه استدل على ذلك بالنجوم وإن كان الأمر في نفسه ليس كذلك.
( وأما الوجه الثاني ) : فالجواب عنه لا نسلم أنه ما كان سقيما في تلك الساعة الآتية : كما إذا علمت أنك ستصير محموما وقت الظهر ثم إن واحدا يدعوك إلى الضيافة بحيث تعلم أنه لا بد من الجلوس مع القوم وقت الظهر فتقول إني محموم ، وتعني به أني أكون محموما في ذلك الوقت وأيضا لعله لما كان مشرفا على السقم سمى نفسه سقيما كما في قوله تعالى ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (١) وأيضا أراد إني سقيم القلب والمراد ما في قلبه من الحزن والغم بسبب كفرهم وعنادهم.
فإن قلت : روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال : « ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ، قوله : إني سقيم ، وقوله : بل فعله كبيرهم
__________________
١ ـ سورة الزمر الآية ٣٠.