عليه الاستدلال في معرفة اللّه تعالى وجب عليه الاستدلال أيضا في أمر المعاد. فإن قلت : أليس إنه لا يتم علمه بالمبدإ إلا إذا عرفه قادرا على كل المقدورات حصل العلم بكونه عالما بكل المعلومات ، ومتى عرفه كذلك عرفه قادرا على إحياء الموتى؟ قلت : لا يلزم من مجرد العلم بكونه تعالى عالما بكل المعلومات قادرا على كل المقدورات حصول العلم بكونه تعالى قادرا على الإحياء لاحتمال أن يقال : هذه الأجزاء إنما تقبل التركيب الحيواني والحياة بطريق خاص وهو التولد. فأما بغير ذلك الطريق فهو ممتنع لذاته. فلا يلزم من عدم القدرة عليه قدح في قولنا أنه قادر على كل الممكنات.
فإن قلت : لو كان حصول الحياة في ذلك الجسم ممتنعا لما حصل فيه البتة ، فلما حصل ثبت أنه ممكن لذاته فيندرج تحت قدرة اللّه تعالى.
( قلت ) لعل الخصم يقول : إنه ممكن بطريق واحد ، وفيما عدا ذلك ممتنع ، وأيضا فهب أن الدليل الذي ذكرت يصح في بيان كون الأجزاء قابلة للحياة إلا أن إبراهيم عليه السلام ما أراد إثبات هذه المقدمة بهذه الدلالة العقلية بل أراد إثباتها بالمشاهدة ، فإنه لا يجب على المستدل أن يستدل بدليل معين ، كيف وفي الرجوع إلى المشاهدة هاهنا مزيد فائدة لأن الحسى أقوى في ذلك من الاستدلال.
( الثاني ) يحتمل أن يقال : وقع ذلك عند وصول الوحي إليه ، فإن القوم كما يحتاجون إلى المعجزة في معرفة رسالته ، فالرسول لا بد له أيضا من معجز ليعرف به نبوة نفسه ، فقوله ( أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ) معناه أو لم تؤمن بأنك رسول اللّه؟ ( قٰالَ بَلىٰ وَلٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) على كوني رسولا من قبلك لا من قبل الشيطان.
( الثالث ) يحتمل أن يقال : وقع ذلك بعد النبوة ولكنه من اللّه تعالى