لمعرفة شيء آخر ، كما يحكى أن اللّه تعالى أوحى إليه « إني اتخذت عبدا من عبادي خليلا وعلامته أنه لو طلب مني إحياء الميت فإني أفعله إكراما له » فأراد إبراهيم عليه السلام أن يتعرف أن ذلك الخليل هل هو هو؟ فسأل عن ذلك ، وكان المعنى ولكن ليطمئن قلبي على كوني خليلا لك ومخصوصا من عندك بهذا الشرف.
( الرابع ) أن يكون المراد ليطمئن قلبي على قربك على الإحياء بالمشاهدة ، فإن البرهان إذا تأيد بالمشاهدة صار أقوى وأعم.
( الخامس ) أنه عليه السلام لما أمر بذبح الولد ضعف قلبه ، فكأنه قال إلهي أمرتني بإماتة الحي وهو عليّ شاق ، فإن أكرمتني بإحياء الميت قوي قلبي فأقدر حينئذ على ذلك التكليف ، فقوله : ( وَلٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) المراد ليطمئن قلبي على قربي منك واختصاصي بك فأقوى بوجدان ذلك الإكرام على امتثال ذلك الالتزام.
( السادس ) : أن الخصم لما قال لإبراهيم عليه السلام : أنت تزعم أن ربك يحيي ويميت فاسأله أن يحيي لنا ميتا وإلا قتلتك. فقال إبراهيم عليه السلام : (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ اَلْمَوْتىٰ) ويكون معنى قوله : ( وَلٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) زوال الخوف والأمن من القتل.
( السابع ) : أن الخصم لما قال : ( أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ) لم يشتغل إبراهيم عليه السلام بالكشف عن فساد ما قاله ، ولكن انتقل إلى وجه آخر ثم بعد الفراغ عن ذلك المقصود عاد إلى شرح فساد ما قاله الخصم :
فقال : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ اَلْمَوْتىٰ ) ليعرف بهذا الكافر أن الإحياء والإماتة اللذين استدللت بهما على وجود الإله كيف يكون؟ فمعنى قوله : ( لِيَطْمَئِنَّ ) أي يطمئن قلبي على صحة الدليل واندفاع تلك المعارضة.