( الثامن ) وهو على لسان أهل الإشارة : أن حياة القلب بالاشتغال بذكر اللّه وموته بالاشتغال بغير اللّه تعالى. فقال : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ اَلْمَوْتىٰ ) أي القلوب الميتة ( قٰالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قٰالَ بَلىٰ ) ولكن ليحصل الذوق بتحصيل الاستقرار والطمأنينة. فقال ( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ اَلطَّيْرِ ) فأمر بقطع العلاقة عن هذه الهيئة المركبة من هذه الطبائع الأربعة تنبيها على أن الحياة التامة الروحانية لا تحصل إلا بعد مقارنة هذا الجسد.
( التاسع ) : أن المراد منه طلب الرؤية في الدنيا ، وهو الذي سأل موسى عليه السلام بقوله : ( أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ) وسأله محمد أرنا الأشياء كما هو (١) إلا أنه راعى الأدب فعبر بالمسبب عن السبب فإن سبب حياة القلب ليس إلا الرؤية التي هي الكشف التام ، فكان طلب الأثر طلبا للمؤثر.
( العاشر ) : أنه عليه السلام كان أب هذه الأمة والوالد يكون مشفقا على الولد ، والمشفق بسوء الظن مولع. فلما علم أن كثرة بنيه عاصيا خطر بباله : إني إن كنت شفيعا للعصاة فهل تقبل شفاعتي يوم القيامة ، فسأل عن إحياء الميت في الدنيا فقيل : أو لم تؤمن بقدرتنا عليه؟ فقال : بلى ولكن ليطمئن قلبي على كوني مقبول الشفاعة في حق أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، وإذا كان هو كذلك كان محمد عليه الصلاة والسلام أولى به ، فلذلك قال : « شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي » (٢) وهذا الجواب تذكيري.
( الحادي عشر ) : لعله عليه السلام أمر بتبليغ الرسالة ففكر فقال :
__________________
١ ـ الظاهر انه ساقه على انه حديث. وقد بحثت عنه كثيرا وسألت من أعرف استحضاره للاحاديث فلم أعثر عليه لا في الضعيف ولا الموضوع ، ويظهر لي واللّه أعلم أنه ليس بحديث ، وليس عليه طلاوة كلام النبوة.
٢ ـ هذا الحديث رواه الامام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن أنس وعن ابن عباس.