وهذه المكرمة التي أوتوها ، والنعمة التي اختصّوا بها وكانوا مفضلين على الأمم والشعوب تقتضى ذكرها وشكرها ، ومن شكرها الإيمان بكل نبىّ يرسله الله لهداية البشر ، لكنهم جعلوا هذه النعمة حجة للإعراض عن النبي صلى الله عليه وسلم والازدراء به ، زعما منهم أن فضل الله محصور فيهم ، فلا يبعث الله نبيا إلا منهم.
(وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) لو نظر بنو إسرائيل إلى العهد العام أو إلى العهود الخاصة المعروفة في كتابهم الذي أنزل إليهم ، ومنها أنه سيرسل إليهم نبيا من بنى إخوتهم «إسماعيل» يقيم شعبا جديدا لآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، واتبعوا النور الذي أنزل معه وكانوا من الفائزين.
أما عهد الله لهم فأن يمكّن لهم في الأرض المقدسة ، ويرفع من شأنهم ، ويخفض لهم العيش فيها ، وينصرهم على أعدائهم الكفرة ، ويكتب لهم السعادة في الآخرة.
ولما كان من موانع الوفاء بالعهد خوف بعضهم من بعض ، ذكر هنا أن الخوف يجب أن يكون من الله وحده فقال :
(وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) أي لا ترهبوا ولا تخافوا إلا من بيده مقاليد الأمور كلها وهو الله الذي أنعم عليكم بتلك النعمة الكبرى ، وهو القادر على سلبها منكم ، وعلى عقوبتكم على ترك الشكر عليها ، ولا يرهب بعضكم بعضا خوف فوت بعض المنافع ونزول بعض الأضرار إذا أنتم اتبعتم الحق ، وخالفتم غيركم من الرؤساء.
وبعد أن ذكر الوفاء بالعهد العام انتقل إلى العهد الخاص المقصود من السياق فقال :
(وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) أمرهم بالإيمان بالقرآن مع دخوله في قوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) إشارة إلى أن الوفاء به أهمّ إذ هو العمدة القصوى والمقصد الأول ، وهو قد نزل مصدقا لما جاء في التوراة وما قبلها من كتب الأنبياء ؛ فالأوامر التي جاء بها : من الدعوة إلى التوحيد وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، إلى نحو ذلك مما يوصّل إلى السعادة في الدنيا والآخرة ، هى مثل ما دعاكم