وإنما قال مالك يوم الدين ، ولم يقل مالك الدين ليعلم أن للدين يوما معينا يلقى فيه كل عامل جزاء عمله.
والناس وإن كانوا يلاقون جزاء أعمالهم فى الدنيا باعتبارهم أفرادا من بؤس وشقاء جزاء تفريطهم فى أداء الحقوق والواجبات التي عليهم ـ فربما يظهر ذلك فى بعض دون بعض ، فإنا نرى كثيرا من المنغمسين فى شهواتهم يقضون أعمارهم وهم متمتعون بلذاتهم ، نعم إنهم لا يسلمون من المنغّصات ، وربما أتتهم الجوائح فى أموالهم ، واعتلّت أجسامهم ، وضعفت عقولهم ، ولكن هذا لا يكون جزاء كاملا لما اقترفوه من عظيم الموبقات ، وكبير المنكرات ، كذلك نرى كثيرا من المحسنين يبتلون بهضم حقوقهم ولا ينالون ما يستحقون من حسن الجزاء ، نعم إنهم ينالون بعض الجزاء بإراحة ضمائرهم وسلامة أجسامهم وصفاء ملكاتهم وتهذيب أخلاقهم ، ولكن ليس هذا كلّ ما يستحقون من الجزاء ، فإذا جاء ذلك اليوم استوفى كل عامل جزاء عمله كاملا إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، جزاء وفاقا لما عمل (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) ، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).
أما الناس باعتبارهم أمما وجماعات فيظهر جزاؤهم فى الدنيا ظهورا تاما ، فما من أمّة انحرفت عن الصراط السوي ، ولم تراع سنة الله في الخليقة إلا حلّ بها ما تستحق من الجزاء من فقر بعد غنى ، وذلّ بعد عزة ، ومهانة بعد جلال وهيبة.
وقد جاء قوله : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) إثر قوله : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ليكون كترهيب بعد ترغيب ، وليعلمنا أنه تعالى ربّى عباده بكلا النوعين من التربية ، فهو رحيم بهم ، ومجاز لهم على أعمالهم كما قال : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ).
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) العبادة خضوع ينشأ عن استشعار القلب بعظمة المعبود اعتقادا بأن له سلطانا لا يدرك العقل حقيقته ؛ لأنه أعلى من أن يحيط به فكره ، أو يرقى إليه إدراكه.