والزراع كقوله تعالى : (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) من قبل أنهم يغطون الحب بالتراب ، ثم استعمل فى كفر النعم بعدم شكرها ، وفى الكفر بالله ووحدانيته وصفاته وكتبه ورسله.
الختم والطبع والرّين بمعنى واحد : وهو تغطية الشيء ، مع إبعاد ما من شأنه أن يدخله ويمسه ، والمراد بالقلوب العقول ، وبالسمع الأسماع ، وبالأبصار العيون التي تدرك المبصرات من أشكال وألوان ، والغشاوة : الغطاء.
المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه حال المتقين الذين يؤمنون بالغيب ، وبما أنزل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وما أنزل إلى من قبله ، وبين ما آل إليه أمرهم من الهداية والفلاح ، أعقب هذا بشرح طائفة ثانية وهم الكفرة الفجرة ، وأبان أنه قد بلغ من أمرهم فى الغواية والضلال ألا يجدى فيهم الإنذار والتبشير ، وألا تؤثّر فيهم العظة والتذكير ، فهم عن الصراط السوىّ ناكبون ، وعن الحق معرضون ، فالإنذار وعدمه سيان ، فماذا ينفع النور مهما سطع ، والضوء مهما ارتفع ، مع من أغمض عينيه حتى لا يراه بغضا له ، وعداوة لمن دعا إليه ، لأن الجهل أفسد وجدانه ، فأصبح لا يميز بين نور وظلمة ، ولا بين نافع وضارّ.
وقد جرت سنة الله فى مثل هؤلاء الذين مرنوا على الكفر أن يختم على قلوبهم فلا يبقى فيها استعدادا لغير الكفر ، ويختم على سمعهم فلا يسمعون إلا أصواتا لا ينفذ منها إلى القلب شىء ينتفع به ، ويجعل على أبصارهم غشاوة ، إذ هم لما لم ينظروا إلى ما فى الكون من آيات وعبر ، ولم يبصروا ما به يتقون الخطر ، فكأنهم لا يبصرون شيئا ، وكأنه قد ضرب على أبصارهم بغشاوة.
وقد حكم الله عليهم بالعذاب الأليم فى العقبى ، وفقد العز والسلطان والخزي في الدنيا كما قال : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ).