من مأكول ومشروب ، ومشموم ومسموع في ظل ظليل ، وهواء عليل. وماء سلسبيل ؛ ويراد بآدم نوع الإنسان كما يطلق اسم أبي القبيلة الأكبر على القبيلة فيقال : كلب فعلت كذا ويراد قبيلة كلب ، ويراد بالشجرة معنى الشر والمخالفة كما عبر الله تعالى فى مقام التمثيل عن الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة ، وفسرت بكلمة التوحيد ؛ وعن الكلمة الخبيثة بالشجرة الخبيثة وفسرت بكلمة الكفر.
والمعنى على هذا ـ إن الله تعالى كوّن النوع البشرى في أطوار ثلاثة :
(١) طور الطفولة وهو طور لا همّ فيه ولا كدر ، بل هو لهو ولعب كأنه في جنة ملتفة الأشجار يانعة الثمار.
(٢) طور التمييز الناقص ، وفيه يكون الإنسان عرضة لاتباع الهوى بوسوسة الشيطان.
(٣) طور الرشد ، وهو الذي يعتبر فيه المرء بنتائج الحوادث ، ويلتجئ فيه حين الشدة إلى القوة الغيبية العليا التي منها كل شىء وإليها يرجع الأمر كله.
والإنسان في أفراده مثال للإنسان في مجموعه ، فقد كان الإنسان في ابتداء حياته الاجتماعية ابتداء ساذجا سليم الفطرة ، مقتصرا في طلب حاجاته على القصد والعدل متعاونا على دفع ما عساه يصيبه من مزعجات الكون ، وهذا هو العصر الذي يذكره جميع طوائف البشر ويسمونه بالعصر الذهبي.
ولكن لم يكفه هذا النعيم العظيم ، فمد بعض أفراده أيديهم إلى تناول ما ليس لهم طاعة للشهوة وميلا مع خيال اللذة ، وتنبه من ذلك ما كان نائما في نفوس سائرهم ، فثار النزاع وعظم الخلاف ، وهذا هو الطور الثاني المعروف في تاريخ الأمم.
ثم جاء الطور الثالث وهو طور العقل والتدبر ، ووزن الخير والشر بميزان النظر والفكر ، وتحديد حدود للأعمال تنتهى إليها نزعات الشهوات ، ويقف عندها سير الرغبات ، وهو طور التوبة والهداية إن شاء الله.