له أنه الحق من الرؤساء المعاندين ، والجهال المقلدين (وكثير ما هم) فأولئك هم الذين خسروا سعادة الدنيا والمجد والسيادة التي يعطيها الله من ينصر دينه ، كما قال تعالى : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) وخسروا نعيم الآخرة ، وحقّ عليهم العذاب الذي أعدّه الله للكافرين.
وكفرانهم به آت إما بتحريف كتابهم المبشر به حتى لا تنطبق البشارة عليه ، ليوافق أهواءهم ، وإما بإهماله اكتفاء بقول علمائهم الذين أضافوا إلى التوراة ما شاءوا ليشتروا به ثمنا قليلا.
وفي الآية إيماء إلى أن الذين يتلون الكتاب دون أن يتدبروا معانيه ، لا حظ لهم من الإيمان ، لأنهم لا يفقهون هداية الله فيه ، ولا تصل العظة إلى أفئدتهم بتلاوته.
وفي هذا عبرة لنا كما قال : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) فينبغى أن يكون ذلك حافزا لنا في تدبر القرآن وفهمه ، لا قراءته لمجرد التلاوة كما قال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) وقال : (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ).
ولكن وا أسفا إن كل هذه الآيات والعبر لم تحل بين هذه الأمة وتقليدها من قبلها وحذوها حذوهم شبرا فشبرا وباعا فباعا ، والقرآن حجة عليها كما جاء في الحديث (والقرآن حجة لك أو عليك).
ومن يتله وهو معرض عن تدبره والتأمل في العبرة منه يكن كالمستهزئ بربه ، وما مثله إلا مثل من يرسل كتابا إلى آخر لغرض خاص فيقرؤه المرسل إليه مثنى وثلاث ورباع ، ويترنم به ولا يلتفت إلى معناه ، ولا يكلف نفسه إجابة ما طلب فيه ، أيرضى المرسل بمثل هذا ويكتفى به عن إجابة طلبه أم يعدّه استهزاء به؟
فعلى المؤمن في كل زمان ومكان أن يتلوا القرآن بالتدبر والفهم والعمل بما فيه ، فإن كان أمّيّا أو أعجميّا فإنه ينبغى أن يطلب من أهل الذكر أن يفهموه معناه ويشرحوا له مغزاه.