ويستخرجوا معادنها ونباتها ، ثم بنى لهم السماء التي زينها بالكواكب ، وجعل فيها مصابيح يهتدى بها الساري في الليل المظلم ، وأنزل منها الماء فأخرج به ثمرات مختلفا ألوانها وأشكالها.
أفليس في كل هذا ما يطوّح بالنظر ، ويهدى الفكر إلى أن خالق هذا الكون البديع المثال لا ندّ له ولا نظير ، وأن ما جعلوه أندادا له لا يقدرون على إيجاد شىء مما خلق وأنهم يعلمون ذلك حق العلم ، فكيف يستغيثون بغير الله ، ويدعون غير الله ، ويستشفعون به ، ويتوسلون إليه ، مع أنه لا خالق ولا رازق إلا الله؟
الإيضاح
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) بدأ النبي صلى الله عليه وسلم دعوته بعبادة الله وحده ، وقد كان هذا صنيع كل نبى كما قال : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ).
والمخاطبون بهذه الدعوة أوّلا هم العرب واليهود في المدينة وما حولها ، وكانوا يؤمنون بالله ويعبدون غيره إما بدعائه مع الله» أو من دون الله.
(الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي إن هذا الرب العظيم المتصف بتلك الصفات التي تعلمونها ـ هو الذي خلقكم وخلق من قبلكم ، ورباكم وربّى أسلافكم ، ودبّر شئونكم ، ووهبكم من طرق الهداية ووسائل المعرفة مثل ما وهبهم ، فاعبدوه وحده ، ولا تشركوا بعبادته أحدا من خلقه.
(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي فاعبدوه على تلك الشاكلة ، فإن العبادة على هذا السنن هى التي تعدّكم للتقوى ، ويرجى بها بلوغ درجة الكمال القصوى.
ثم ذكر بعض خصائص الربوبية التي تقتضى الاختصاص به تعالى فقال :
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) أي هو الذي مهدّ لكم الأرض وجعلها صالحة للافتراش والإقامة فيها.