(لا رَيْبَ فِيهِ) الرّيب والريبة : الشك ، وحقيقته قلق النفس واضطرابها ، سمى به الشك لأنه يقلق النفس ويزيل منها الطمأنينة ، وقد جاء في الحديث : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فإن الشك ريبة والصدق طمأنينة».
والمعنى ـ إن هذا الكتاب لا يعتريه ريب فى كونه من عند الله ، ولا فى هدايته وإرشاده ، ولا فى أسلوبه وبلاغته ، فلا يستطيع أحد أن يأتى بكلام يقرب منه بلاغة وفصاحة ـ وإلى هذا أشار بقوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ).
وارتياب كثير من الناس فيه ، إنما نشأ عن جهل بحقيقته ، أو عن عمى بصيرتهم ، أو عن التعنت عنادا واستكبارا واتباعا للهوى أو تقليدا لسواهم.
(هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) الهدى بالنظر إلى المتقين : هو الدلالة على الصراط المستقيم مع المعونة والتوفيق للعمل بأحكامه ، إذ هم قد اقتبسوا من أنواره وجنوا من ثماره ، وهو لغيرهم هدى ودلالة على الخير وإن لم يأخذوا بهديه وينتفعوا بإرشاده.
وكون بعض الناس لم يهتدوا بهديه لا يخرجه عن كونه هدى ، فالشمس شمس وإن لم يرها الأعمى ، والعسل عسل وإن لم يجد طعمه ذو المرّة.
والمتقين : واحدهم متق ، من الاتقاء وهو الحجز بين الشيئين ، ومنه يقال اتقى بترسه أي جعله حاجزا بين نفسه ومن يقصده ، فكأن المتقى يجعل امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه ـ حاجزا بينه وبين العقاب الإلهى.
والعقاب الذي يتّقى ضربان : دنيوى وأخروى وكل منهما يتّقى باتقاء أسبابه.
فعقاب الدنيا يستعان على اتقائه بالعلم بسنن الله فى الخليقة ، وعدم مخالفة النظم التي وضعها فى الكون ، فاتقاء الفشل والخذلان فى القتال مثلا يتوقف على معرفة نظم الحرب وفنونها وآلاتها كما يشير إلى ذلك قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) كما يتوقف على القوة المعنوية من اجتماع الكلمة واتحاد الأمة ، والصبر والثبات والتوكل على الله واحتساب الأجر عنده.