(وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) إشارة إلى أن المؤمنين المهتدين على قلتهم أكثر نفعا وأجلّ فائدة من أولئك الكفرة الفاسقين.
إن الكرام كثير في البلاد وإن |
|
قلّوا كما غيرهم قلّ وإن كثروا |
ثم أكمل الجواب وزاد في البيان فقال :
(وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) أي وما يضلّ بضرب المثل إلا الذين خرجوا عن سنة الله في خلقه وعما هداهم إليه بالعقل والمشاعر والكتب المنزلة على من أوتوها.
وفي هذا إيماء إلى أن علّة إضلالهم ما كانوا عليه من الخروج عن السنن الكونية التي جعلها عبرة لمن تذكر ، فقد انصرفت أنظارهم عن التدبر في حكمة المثل إلى حقارة الممثل به حتى رسخت به جهالتهم وازدادت ضلالتهم فأنكروه.
ثم زاد في ذم الفاسقين بذكر أوصاف مستقبحة لهم فقال :
(الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) أي الذين يستعملون المواهب التي خلقها الله لعباده من عقل ومشاعر وحواسّ ترشدهم إلى النظر والاعتبار في غير ما خلقت له حتى كأنهم فقدوها كما قال : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ، وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها ، أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ).
وهذا العهد الذي نقضوه هو العهد الفطري ، وهناك عهد آخر جاءت به الشرائع وهو العهد الديني ، وقد وثق الله الأول بجعل العقول قابلة لإدراك السنن الإلهية التي فى الكون ، كما وثق الثاني بما أيّد به الأنبياء من الحجج والبراهين الدالة على صدقهم ، فمن أنكر بعثة الرسل ولم يهتد بهديهم فهو ناقض لعهد الله ، فاسق عن سننه في إبلاغ القوى البشرية والنفسية حد الكمال الإنسانى الممكن لها.
(وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) أمر الله ضربان ، أمر تكوين وهو ما عليه الكون من بديع الصنع ودقيق النظام كإفضاء الأسباب إلى مسبباتها والمقدمات إلى