وقد كان الواجب عليهم أن يتمثلوا أمره ويقابلوه بالتجلة والاحترام ، ثم ينظروا ما يحدث بعد ، فهذا القول منهم دليل على السفه وخفّة الأحلام ، وجفاء الطبع والجهل بقدرة الله تعالى.
(قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) أي ألتجئ إلى الله من الهزؤ والسخرية بالناس ، إذ هو في مقام تبليغ أحكام الله دليل السفه والجهل.
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) أي سله لأجلنا أن يكشف لنا عن الصفات المميزة لها ، وقد سألوا عن صفتها لما قرع أسماعهم بما لم يعهدوه ، فإن بقرة ميتة يضرب بها ميت فيحيا موضع العجب والغرابة والحيرة والدهشة ، ومن ثم أكثروا من الأسئلة فأجيبوا بأجوبة فيها تغليظ عليهم.
(قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) أي ليست بالكبيرة ولا بالصغيرة ، بل هى وسط بينهما.
(فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) أي فامتثلوا الأمر ولا تتوانوا في نفاذه ، ولا يخفى ما في هذا من التحذير والتنبيه على ترك التعنت ، وكان يجب عليهم الاكتفاء به والمبادرة إلى الامتثال ، لكنهم أبوا إلا تنطّعا واستقصاء فأعادوا الطلب.
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها ، قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) سألوا عن لونها فأجيبوا بما فيه الكفاية في بيان مميزاتها ، لكنهم ما قنعوا بهذا ، بل زادوا في الإلحاف وإعادة السؤال مرة أخرى.
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) هذا سؤال لطلب إيضاح زيادة على ما تقدم ككونها عاملة أو سائمة ، وإظهار ، لأنه لم يحصل لهم تمام البيان.
ثم ذكروا السبب في إعادة السؤال.
(إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) أي لأن وجوه البقر تتشابه ، وفي الحديث إنه ذكر فتنا كقطع الليل تأتي كوجوه البقر ـ أي يشبه بعضها بعضا.