حين اختبر إبراهيم ربّه ببعض الأوامر والنواهي ، فأدّاها خير الأداء ، وأتي بها على وجه الكمال كما قال : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى).
والمراد من ذكر الوقت ذكر ما وقع فيه من الحوادث ، لأن الوقت محتو عليها ، فإذا استحضر كانت حاضرة بتفاصيلها كأنها مشاهدة عيانا.
والقرآن الكريم لم يعين الكلمات ، ومن ثم اختلفوا فيها ؛ فقيل هى مناسك الحج ، وقيل إنها الكواكب والشمس والقمر التي رآها واستدلّ بأفولها على وحدانية الله تعالى والعرب التي خوطبت به كانت تعرف المراد منها.
(قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) أي قال إنى جاعلك للناس رسولا يؤتمّ بك ، ويقتدى بهداك إلى يوم القيامة ، فدعا الناس إلى الحنيفية السمحة وهى الإيمان بالله وتوحيده والبراءة من الشرك ، وما زال هذا جاريا في ذريته ، فلم ينقطع منها دين التوحيد ، ولأجل هذا وصف الله الإسلام بأنه ملة إبراهيم.
(قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) أي قال واجعل من ذريتى أئمة يقتدى بهم ، وقد جرى إبراهيم على سنة الفطرة ، فتمنى لذريته الخير في أجسامهم وعقولهم وأخلاقهم ، ولا غرو فالإنسان يرجو أن يكون ابنه أحسن منه في جميع ذلك.
(قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي قال أجبتك إلى ما طلبت ، وسأجعل من ذريتك أئمة للناس ، ولكن عهدى بالإمامة لا يناله الظالمون ، إذ هم لا يصلحون أن يكونوا قدوة للناس.
وفي ذكر الظلم مانعا من الإمامة تنفير لذرية إبراهيم منه وتبغيض لهم فيه ، ليتحاموه وينشئوا أولادهم على كراهته ، كيلا يقعوا فيه ويحرموا من هذا المنصب العظيم الذي هو أعلى المناصب وأشرفها ، كما هو تنفير من الظالمين وعدم مخالطتهم.
فالإمامة الصالحة لا تكون إلا لذوى النفوس الفاضلة التي تسوق صاحبها إلى خير العمل ، وتزعه عن الشرور والآثام ، ولا حظّ للظالمين في شىء من هذا.