ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وفريق سار في طريق الضلال وكذّب بالآيات ، وأولئك جزاؤهم جهنم خالدين فيها أبدا.
الإيضاح
(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) هذا الأمر لبيان أن طور النعيم والراحة قد انتهى وجاء طور العمل ، وفيه طريقان : هدى وإيمان ، وكفر وخسران.
(فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) الخطاب لآدم وزوجه وإبليس ، والمراد ذريته.
(فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) أي فمن استمسكوا بالشرائع التي أتى بها الرسل ، وراعوا ما يحكم العقل بصحته بعد النظر في الأدلة التي في الآفاق والأنفس.
(فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي إن المهتدين بهدى الله لا يخافون مما هو آت ، ولا يحزنون على ما فات ، فإن من سلك سبيل الهدى سهل عليه كل ما أصابه أو فقده ، لأنه موقن بأن الصبر والتسليم مما يرضى ربه ، ويوجب مثوبته ، فيكون له من ذلك خير عوض عما فاته ، وأحسن عزاء عما فقده ، فمثله مثل التاجر الذي يكدّ ويسعى وتنسيه لذة الربح آلام التعب.
والأديان قد حرّمت بعض اللذات التي كان في استطاعة الإنسان أن يتمتع بها ، لضررها إما بالشخص أو بالمجتمع ، فمن تمثلت له المضارّ التي تعقب اللذة المحرّمة وتصور ما لها من تأثير في نفسه أو في الأمة فرّ منها فرار السليم من الأجرب ، إلى أن المؤمن بالله واليوم الآخر ، يرى في انتهاك حرمات الدين ما يدنّس النفس ويبعدها عن الكرامة ، يوم تبيض وجوه وتسودّ وجوه.
والخلاصة ـ إن من جاءه الهدى على لسان رسول بلغه إياه واتبعه ، فقد فاز بالنجاة وبعد عنه الحزن والخوف يوم الحساب والجزاء والعرض على الملك الديان ، يوم يقوم الناس لربّ العالمين.